تتمتع الأنثى فى مجتمعاتنا العربية بخصوصية واحترام، وتعتبرها موطن الشرف ومناط العفة، وقد كانت من تقاليد الشوارع فى مصر حماية الإناث؛ حيث كانت بنات مصر منذ الملكية وإلى وقت قريب تتمتع بحرية الحركة والتنقل، ولقد كانت خمسينات وستينات وسبعينات القرن شاهدة على تحرر كامل للفتيات والسيدات فى الملبس والمظهر، ولم تكن هناك حالات تحرش علنية تُذكر، وقد كان القول هو أداة التحرش الوحيدة فى تلك العصور!! لقد بدأ التحرش مع نظام مبارك فى مايو 2005 حينما انتهكت الشرطة السرية عرض المتظاهرات على سلم نقابة الصحفيين أثناء وقفاتهن الداعمة للقضاة، ثم تبع ذلك التحرش الجماعى بالبنات فى الأعياد فى وسط شوارع القاهرة وتحت ضوء النهار!! هنا كان من الطبيعى أن يخرج الرجال قهرهم بفرض سطوتهم على نساء لا يعرفونهن وأن يمارسوا رجولتهم فى صور وحشية ودون تمييز كما يتعامل معهم نظام الحكم بانتهاكهم دون تمييز!! ولقد ترك مبارك تلك الحفلات الجماعية للتحرش دون عقاب أو ردع حتى تكون مظهراً للانفلات ماثلاً أمام الرأى العام يذكرهم بقيمته وجدواه، ولم تتورع كتائب الخسة المتحرشة أن تمارس ذلك بشكل احتفالى وفى أعياد إسلامية بالأساس، كعيد الفطر أو عيد الأضحى، مما يعطى صورة وعكسها فى نفس الوقت من جلال المناسبة الدينية ونذالة ووقاحة الاحتفال المزعوم، وقد تكون هذه صورة نظام مرسى؛ فهو يتيه بأنه منتخب ومختار من الشعب فى حين أنه يغتصبه بوقاحة وعلى مرأى الأشهاد كل يوم!! المشهد الأخير للتحرش هو الذى يدعو للتأمل والدهشة؛ ففى ظل ثورة أطلقت الحريات ووأدت نظاما قمعيا وأهانته إلى حد الازدراء بعد الجاه والصولجان، وتحققت آيات الديمقراطية الكبرى، نجد أن منبت الثورة، ميدان التحرير، يحوى حالات تحرش واغتيال معنوى، وفى ظل أغلبية تقول على نفسها إسلامية وتتبنى برامج الدعوة والتربية، تتجلى أحقر أشكال التربية والحيوانية والكفر بكل شىء!! مشهد عبثى يذكرنى بالرسومات السريالية التى تتناثر فيها الألوان وتتحرك الخطوط بلا هدى أو بيان، ويقف المشاهد أمامها عند حدود تفسيره وتوقعاته. قد أكون مخطئاً إذا رميت النظام السياسى بكل الأخطاء، لكن فكرة إهداره دولة القانون أعتقد أنها تساعد المتحرش على فعلته؛ فهو لا يخشى ردعاً، والمنطقة التى يتعامل فيها النظام السياسى مع جماعته باحترام وتبجيل ثم ينتهك الجميع خارجها أعتقد أنها حاضرة فى مشهد التحرش الذى يترك فيه المتحرش أخته وأمه بالبيت معززة مكرمة ليتجول فى الشارع بيديه فى أجساد الأخريات!! ثم إن استمرار خط الجوع الجنسى والمعنوى منذ عهد مبارك، الذى لم يستطع نظامنا المنتخب استدراكه، هو أيضاًً أحد الدوافع القديمة المتجددة للتحرش، نعم، إن السياسة حاضرة والحكم الجديد وقمعه ماثلان أمامنا فى التحرش فى قلب وجسد وعقل شوارع المحروسة!! وعلى النظام السياسى الحالى أن يكف عن رسم خريطة طريق جديدة للمتحرشين الذين ينتهجون نهجه!!