لم أندهش من فتوى إهدار دم المعارضة التى أعلنها الداعية محمود شعبان على قناة الحافظ، فخلط الدين بالسياسة واستعارة قاموس المصطلحات الفقهية بنت زمانها فى معركة سياسية هى بنت زماننا طمعاً فى مكسب وقتى، كل هذا قد حذرنا منه من قبل وأكدنا أن كل هذا السلوك سيفتح باب جهنم وقد كان، فالمعارض صار مرتداً والمعارضة صارت الفئة الضالة والإعلام صار سحرة فرعون والليبراليون كفرة والاستفتاء صار غزوة الصناديق.. إلى آخر هذه الصفات التى كسب بها تيار الإسلام السياسى أرضاً شاسعة فى معركة البرلمان والدستور التى انتصر فيها صوت تزييف الوعى من فوق منابر الزوايا والمساجد وتزييف الإرادة بالزيت والسكر والأنبوبة، ولم أندهش لأن شعبان ليس الأول وإنما هو مجرد درجة سلم فى رحلة تكفير طويلة بدأت بتكفير الصحابة على يد الخوارج ولن تنتهى بتكفير البرادعى وصباحى، وتعالوا نتذكر ونذكّر الغافل عن نسيان وسهو والغافل عن تناسٍ وسهوكة كيف كان باب الفتاوى هو الباب الملكى للاغتيال تارة باسم الردة وتارة باسم الكفر وتارة باسم الخروج على الحاكم وتارة باسم إهانة الصحابة والتى لو طبقوها لأعدموا كل كتب التاريخ الإسلامى التى تنتقد الصحابة ولم يُقل عنها إهانة فى وقتها وكتبها المؤرخون بكل اطمئنان ولم يطلق عليهم الرصاص الذى أُطلق على فرج فودة عندما نقل من هذه الكتب بنفس الألفاظ والحروف، ولكن لأن المعركة سياسية صارت تلك الألفاظ مطية للوصول إلى صيدهم الثمين الذى لا بد من قتله لإسكاته لأنهم لا يملكون الحجة القوية لتفنيد آرائه. تذكروا فتوى الدكتور مزروعة بأن «فرج فودة» مرتد، وهو الذى أجاز بشهادته فى المحكمة لآحاد الأمة تنفيذ حد الردة فى القاتل إذا لم يقم ولى الأمر بتنفيذ ذلك، واختلف معه الشيخ الغزالى وقتها فى المحكمة ليس على كفر فودة ولكن لأن الدولة هى التى كان لا بد أن تقتل فرج فودة وأن ما حدث لم يصفه الغزالى بالجريمة ولكن سماه الافتئات!. ذُبح نجيب محفوظ أيضاً بسبب فتوى من شيخ الجهاد عمر عبدالرحمن الذى قال وقت رواية سلمان رشدى: لو كان قد تم عقاب نجيب محفوظ على تلك الرواية فى ذلك الوقت، لم يكن سلمان رشدى ليستطيع أن ينشر هذا. ذبحه جاهل لم يقرأ له حرفاً من رواياته وهذا هو مكمن الخطر، أن يستمع جاهل جهول لفتوى الشيخ شعبان فيغتال أى رمز من رموز المعارضة وذنبه فى رقبة الشيخ، ولنتذكر أنه عندما سأل المحقق ذابح نجيب محفوظ الذى كان يبلغ من العمر وقتها 82 عاماً عن التأكد من توبة محفوظ فى حال لو كان مخطئاً من وجهة نظرهم، فتخيلوا ماذا كان الرد، قال المجرم «المرتد لا يُستتاب، بدليل أن سيدنا أبوبكر قام بحرب مانعى الزكاة والمرتدين عن الإسلام وساوى بينهما، وحدود ربنا تنفذ حتى لو تاب العبد، لأن ربنا نزلها للحكم فى الأرض وعلشان تبقى رادع للعباد». تم تكفير نصر أبوزيد والحكم عليه بتطليق زوجته بسبب نفس الفتاوى الظلامية، ففى صيف عام 1993 اتهم الدكتور عبدالصبور شاهين علانية الدكتور أبوزيد بالردة عن الإسلام نتيجة تأليفه كتابه «مفهوم النص» واتهمه فى تقريره بالعداوة الشديدة لنصوص القرآن والسنة والدعوة لرفضهما، والهجوم على الصحابة، وإنكار المصدر الإلهى للقرآن الكريم، والدفاع عن الماركسية والعلمانية وعن سلمان رشدى وروايته (آيات شيطانية) والمدهش أن د. عبدالصبور نفسه دارت عليه الدوائر ووُجهت إليه التهمة نفسها من الشيخ يوسف البدرى بعد كتابه عن آدم، وبعدها رفع محمد صميدة عبدالصمد قضية يطلب فيها تفريقه عن زوجته ابتهال وبالفعل صدر الحكم! ليُنفى أبوزيد ويصبح هدفاً سهلاً للقتل. فتاوى الردة والتكفير هى باب جهنم الذى سينتهى إلى فوضى الاغتيالات باسم الدين ممن يعتبرون أنفسهم وكلاء الرب الحصريين، وهذا الباب لو غضضنا الطرف عن إغلاقه بكل حسم سيطال الجميع لهب جحيمه البركانى الرهيب بمن فيهم أصحاب التيار الإسلامى أنفسهم ممن يطلقون تلك الفتاوى الجهنمية.