ساد هدوء حذر ميدان العباسية أمس، وغاب التواجد الأمنى، بينما نصب المعتصمون حواجز ونقاط تفتيش عند مدخل الخليفة المأمون، معظمهم من الملتحين، وقلة منهم من شباب الثورة يتعاملون بلطف مع الجميع، وتعلو وجوههم علامات الإرهاق التى يحاولون أن يمسحوها بابتسامة للداخلين. وانقسم مقر الاعتصام بين مفترش للأرض ونائم ومتحاور، والقليل يمارسون قيام الليل فرادى وقراءة القرآن، لا يقطع ملل المشهد إلا مسيرات داخل مقر معتصمى العباسية تبدأ بالميدان وتنتهى عند حدود وزارة الدفاع. قوى ثورية وشبابية أعلنت عن نفسها من خلال خيمها، «6 أبريل» ترفع لافتة على خيمة كبيرة توضح أنها الجبهة الديمقراطية، يوجد داخلها عدد من الشباب النيام وخارجها قليل من الأعضاء يتزاحمون على «لاب توب». ثلاث خيمات هى عدد المستشفيات الميدانية التى بها أطباء معظمهم ملتحون وطبيبات منتقبات، كادت المستشفيات الميدانية تخلو من المصابين إلا قليلاً، هم من أصيبوا من وقوع أو تدافع أو صداع. أحمد، طبيب ملتحٍ، يأخذ على نقابة الأطباء تجاهلها للاعتصام وعدم مشاركتها عكس اعتصامات أخرى أسهمت فيها النقابة، خاصة مع ارتفاع عدد القتلى الذى وصل إلى 22 وإصابة 240 آخرين. بجوار كلية التجارة قبل المدخل الرئيسى، كثَّف المعتصمون خدماتهم الأمنية أمام مقر احتجاز «البلطجية»، رافضين دخول أحد أو الحديث إليهم، منوهين بأنهم سيستغلون هؤلاء فى استبدال الرهائن ب«الإخوة» الذين قبض عليهم بعض أهالى العباسية. حيثما كان أى اعتصام وُجد الباعة الجائلون، الذين تنوعت بضاعتهم بين شعارات سوداء تنادى بسقوط المجلس العسكرى وأدوات حماية، أهمها خوذة الرأس وثمنها عشرة جنيهات، وكالعادة شهد بائعو الشاى رواجاً كبيراً من المعتصمين. إذاعة الاعتصام تدعو إلى صلاة الليل فى جماعة، لبى القليل النداء، والكثير غلبه التعب، وانتهى قيام الليل قبل الفجر بقليل. بجوار المدينة الجامعية التى بدت كمدينة أشباح، نظم «الألتراس» وعدد من الملتحين دورى كرة قدم للتسلية، وحتى لا تحدث مشاحنات شكلوا كل فريق من خليط من الشيوخ والثوار، أما بعض «الألتراس» الذين لم يشاركوا فى المباراة فكانت لديهم مهمة الهتاف أمام جنود الدفاع. الإذاعة تنادى: «أيها الإخوة، لا يخرج أحد منكم من مقر الاعتصام حتى لو قالوا هناك أخ مصاب.. هو كمين لكم». وارتكزت عربة إذاعة الاعتصام أسفل الكوبرى الواصل بين الحرم الجامعى وكلية تجارة عين شمس، الذى اعتلاه البعض واضعين فيه ذخيرة كبيرة من الأحجار المكسرة استعداداً لأى اشتباك. التف عدد كبير من مشايخ المعتصمين حول المهندس محمد الظواهرى، شقيق قيادى تنظيم القاعدة الشهير، الذى جاء للشد من أزرهم.. لم يوجه خطاباً للجميع، بل تحدث بصوت منخفض مع البعض، وسرعان ما انصرف، تاركاً خلفه مشاحنات بين الملتحين والثوريين سرعان ما أنهاها عقلاء الطرفين. ارتفع أذان الفجر وأقيمت الصلاة فى جماعتين، الواحدة تلو الأخرى؛ تحسباً لأى هجوم، وكان الدعاء على الطواغيت والفاسدين والظلمة هو السمة المشتركة بين الجماعتين، ساد جو من الهدوء والتراخى لم يقطعه إلا صوت إذاعة الاعتصام تطالب بتطوع عشرين أخاً ليشكلوا فرقاً أمنية بديلة للفرق التى فيما يبدو أصيبت بإرهاق. صاحب إشراق الشمس إحساس بالراحة النسبية لمرور ليلة بلا اشتباكات ولا إصابات، ولم يصاحبه تخفيف فى الإجراءات الأمنية من تفتيش الداخلين الممتزج بالترحيب وإشارات التأسُّف.