سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
+ طلعت مطالباًب«حزب الرغيف» بقالى شهر مامسكتش 100 جنيه المنطقة تحولت إلى قطعة من جهنم وخسرت بضاعة بمليون جنيه.. وجارى فقد رضيعته بنت ال40 يوماً بعدما شمت «غاز الداخلية»
جلس على تلك الأريكة داخل بيته الكائن بشارع الشيخ ريحان، قتله كدّ يوم كامل من العمل داخل محل قطع الغيار، هى مهنته الوحيدة التى ورثها أباً عن جد، صدره الملىء بالغازات المسيلة للدموع؛ منعه من تدخين تلك السيجارة التى كان يقبض عليها بين أصابعه.. دقت الساعة المتعبة لتُعلن الحادية عشرة مساءً، غفا الرجل الخمسينى فى جلسته؛ لكن رنين هاتفه أفزعه: «إلحق يا طلعت.. المحل بيولع»، الدم صعد فى النافوخ فجأة، احمر وجهه، ربما يكون حلماً أو كابوساً راوده، إلا أن الحقيقة كانت أقرب إليه، هرع صوب دكانه فى شارع محمد محمود، الاشتباكات كانت على أشدها، على مرمى بصره كان «طلعت» يرى الدخان وهو يتصاعد بغزارة من محل قطع الغيار، ما بين سيل غازات قنابل الشرطة المسيلة للدموع و«طوب» «الألتراس» الغاضبين بعد مذبحة بورسعيد، كانت ليلة 3 فبراير 2012، إحدى قدميه تتقدم، بينما الأخرى تُلزمه بالتراجع، الدموع انهمرت من عينيه ليس حزنا على ما يحدث ولكن بسبب «الغازات»، كتم أنفاسه كالغواص قبل الدخول وسط الفريقين، لحظات والأدرينالين سرى فى عروقه، كحارس مرمى فى مباريات الكرة يحاول عبثا أن يصد الهجوم عن مصدر رزقه، وما إن أخرج مفتاح الأقفال، حتى أصابته رصاصة خرطوش فى كتفيه: «الشرطة ضربوا علىَّ بالغلط.. كانوا فاكرين إنى داخل أسرق»، لم يشعر بالبلى الحديدى الذى اخترق عظامه، وما إن أزال الباب الحديدى للمحل حتى رأى بأم عينيه النيران وهى تلتهم «شقى العمر»: «لسانى وقف.. معرفتش أنطق ولا كلمة.. كل اللى عملته فى حياتى بيتحرق قدام عينىَّ». 40 سنة من عمر «طلعت» أفناها داخل ذلك المحل: «الشارع ده كان هادى جدا.. فيه هدوء وناس محترمة أحفاد باشوات.. والتجارة فيه ماشية عال العال»، رامقاً بعينيه مبنى وزارة الداخلية المُحصن بجدران خرسانية والذى أشعل محله سببا لعدم وصول المتظاهرين له: «كانوا عاوزين يقتحموا المبنى.. والعساكر وهما بيفرقوهم ضربوا قنبلة غاز دخلت المحل بالغلط وولعت فيه». أبراج المراقبة الشاهقة التى تُحيط الشارع لم يكن لها أى وظيفة فى الأحداث: «هما قاصدين يقعدوا هنا مش عشان يحموا المتظاهرين لكن عشان يحموا الوزير اللى بيعدى». قطعة فحم سوداء، هكذا استلم «طلعت» محله، بعد أن التهمت النيران كل ما يملك: «كان فيه بضاعة بمليون جنيه.. والحريقة خلعت البلاط من مكانه»، وقتها شعر صاحب اللحية الكثة أنه يقف عرياناً، فرأس ماله ذهب هباءً ضحية اشتباكات ليس لها أهمية بالنسبة له: «المفروض ينقلوا الوزارة دى من هنا.. لأنها طول ما هى موجودة.. المحلات هتولع تانى».. طفلة رضيعة فى حضن والدتها لم تبلغ بعد ال 40 يوماً تقطن فى العمارة نفسها التى يدنوها المحل انتقلت إلى بارئها بسبب الغازات المسيلة للدموع، وأصحاب شقق هجروا منازلهم بسبب الاشتباكات.. أمثال ونماذج يسردها «طلعت» عن المتضررين من مجاورة وزارة الداخلية، فى الوقت الذى يُقاطعه «حسين» -أحد البائعين بالمحل- بأنين مسموع: «لما كان المحل بيتقفل عشان المظاهرات.. كنت ببيع شاى فى الشارع.. لأنى مكنتش لاقى آكل»، يقولها الشاب العشرينى بحزن متابعاً بعين دامعة: «والله جه علىَّ وقت بطنى كانت بتقرص علىَّ من كتر الجوع»، قبل أن يُلقى اللوم على جماعة الإخوان: «خربوها وقعدوا على تلها»، مشيراً إلى تعامل الأحزاب السياسية مع الغلابة من أمثاله كوسيلة أوقات الانتخابات فيما يغيبهم النسيان بعدها «يا جدعان إحنا عايزين حزب الرغيف ورب العزة بقالى شهر ممسكتش 100 جنيه فى إيدى».