عندما وصل الرئيس محمد مرسى إلى سدة الحكم كان هناك أمل لدى البعض أن تكون فترة حكمه هى الفترة الانتقالية الحقيقية التى يمكن خلالها لم شمل الوطن، وأبنائه وتياراته السياسية فى مسار وطنى يحقق أهداف الثورة وينجز القصاص العادل على من اعتدى على أبنائه. كان الأمل فى الرئيس مبنياً على تعهداته التى أقرها عدة مرات فى العديد من اللقاءات مع القوى الوطنية والعديد من المقابلات الإعلامية. لكن الرئيس تناسى كل ما أطلقه من وعود، وبدلاً من أن يلتفت للم شمل الأمة وجه جهده وهمه نحو الدولة ومؤسساتها، وقد اختار طريقه بعناية؛ فقد بدأ بالتعامل مع الجهات التى كانت محسوبة على النظام السابق حتى يضمن عدم اعتراض القوى الثورية، بل يمكنه أيضاً الادعاء بأنها إجراءات ثورية، هكذا تعامل الرئيس مع المجلس الأعلى للقوات المسلحة السابق، وهكذا تعامل مع النائب العام السابق، فكانت غضبة القضاة لتعديه على استقلالهم. فى تلك اللحظة أصبح الرئيس محاصراً بين غضب القضاة وغضب الشارع والقوى السياسية التى تنتظر منه تنفيذ وعوده، وبدلاً من أن يحاول إيجاد حلول «ديمقراطية» لمشاكله قرر أن يطيح بكل من القضاة والوعود بضربة واحدة، فقام بإصدار إعلان «دستورى» ديكتاتورى يتيح له وجماعته تنفيذ خطتهم كاملة فى الاستئثار بكتابة الدستور، والسيطرة على مؤسسات الدولة بكاملها. برر الرئيس إعلانه الديكتاتورى بوجود مؤامرة كبرى على حكمه تقوم بها الثورة المضادة من الفلول وبعض رجال القانون، غير أنه لم يقدم لنا أية معلومات، من وكيف ولماذا، ولم تقدم قضية للمحاكم ولم يعلن عن فتح تحقيق جدى فيما زعمه الرئيس من اتهامات لمجهولين. وعلى مدى الشهور الماضية، التى انشغل فيها الرئيس وجماعته بالسيطرة على مؤسسات الدولة، لم يلتفت للغضب الشعبى الذى يتنامى فى الشارع، خاصة فى قطاعات الشباب الثورى، وبالرغم من معرفته، فإنه لم يكن يهتم بالتغيير الذى طرأ على الثورة، وتحديداً التحول عن سلميتها، الذى أصبح قناعة لدى الكثيرين بسبب تعنت الحكم وصممه عن مطالب الثورة، فقد جهز للجميع حلاً مفاجئاً، السيطرة على جهاز الداخلية ودفعه مرة أخرى لمواجهة الثوار. هكذا وصلنا إلى تلك المشاهد المخزية لسحل مواطن وتعريته وضربه بقسوة من قِبل عُصبة من قوات الشرطة، تلك الحادثة وما تبعها من إذلال للمواطن وأسرته على شاشات التليفزيون المصرية كافية فى أى بلد لإقالة وزيرى الداخلية والإعلام، وربما استقال الرئيس نفسه، لكنه صمت ولا يزال. وتفسير صمت الرئيس فى ظنى هو الوجود الفعلى للمؤامرة، مؤامرة الجماعة للسيطرة على مؤسسات الدولة تمهيداً لمجهول ما، سيظل بالنسبة لى مجهولاً حتى تعلن الجماعة بوضوح موقفها الاستراتيجى من الأمة المصرية وأمنها القومى كما ورثناه منذ عهد محمد على، والأمة العربية وأمنها القومى كما تشكل فى الخمسينات فى ظل وجود الكيان الإسرائيلى. على الجماعة أن تحدد لنا، بألفاظ واضحة، موقفها من قضية استقلال القرار الوطنى، وموقفها الواضح من الولاياتالمتحدةالأمريكية وإسرائيل، فمسار الرئيس على مدى الشهور الستة الماضية والغموض فى الموقف الاستراتيجى للجماعة يبرر لنا الشك، كل الشك، فى وجود مؤامرة، وعلى الرئيس وجماعته تبديد هذه الشكوك، إن أرادوا، والخطوة الأولى هى الاستجابة لمطالب الشارع، فهل من مستجيب؟