«ولدين معاقين وبنتين على وش جواز وبيت بدون رب أسرة»، ربما يكون دافعاً قوياً لعمل «أم ياسر».. وربما أى أم تحتاج لإعالة أولادها وبناتها فى تلك الظروف كان عليها أن تختار مشروعًا سهلاً يُدر عليها المال فى أسرع وقت ولكنها اختارت المهنة الأصعب. اقتحمت «أم ياسر» مجال التاكسجية: «قررت شراء تاكسى عشان أكسب فلوس بسرعة، لكن المشكلة كانت فى الفلوس، فقررت أبيع شقتى واشتريت تاكسى على قد حاله، وبدأت حياتى بيه». لا يختار أحد حياته، ولا يخطط لها، ودائمًا ما تأتى الرياح بما لا تشتهى السفن، لم تتجه أم ياسر إلى العمل ك«سواقة تاكسى» لأنها تهوى المهنة: «جوزى طلقنى من 10 سنين، وده بعد ما خلفت ولدين معاقين، هو كان شايف إن الأولاد مش هيساعدوه فى أى حاجة، كان عندنا وقتها 4 عيال بنتين وولدين».. حلت «أم ياسر» مكان «راجل وست البيت»: «كان لازم اتكل على الله وعلى نفسى، بقيت ست وراجل فى الوقت المناسب». يومياً تخرج «أم ياسر»، من بيتها بمنطقة المقطم، مرتدية عباءتها السوداء ونظارتها الشمسية، تحاول البحث عن رزقها، ضاربة بالقواعد والتقاليد عرض الحائط: «كان معايا تاكسى 128، وبعد ما دخل مشروع التاكسى الأبيض اشتريت تاكسى بدفع له قسط 450 جنيه فى الشهر». وتُضيف «الأسطى أم ياسر» كما يطلق عليها السائقون: «كنت فى الأول خايفة، لكن صورة أولادى وبناتى دايماً كانت مسيطرة عليا ومخليانى أكمل المشوار، وطول ما الواحد بينزل الشغل باحترامه هخاف من إيه». «أم ياسر» ذات الوجه البشوش والمبتسمة طوال حوارى معها، ترى أن أكبر مشكلة قابلتها هى استخراجها للرخصة المهنية: «لما قررت أشتغل على التاكسى، معرفتش أطلع رخصة لأنى مش معايا شهادات وسبت التعليم من سنة 6 ابتدائى، لكن صممت ودخلت فصول (نحو الأمية) وخلال الامتحانات رجلى اتاكسرت وبقيت أروح الامتحان على كرسى متحرك لأنى كنت مصممة إنى آخد الشهادة وفعلاً خدت الشهادة وطلعت الرخصة، والحمد لله». بعد كبد وعناء العمل المستمر على التاكسى، تتجه «أم ياسر» إلى أقرب قهوة: «مش هيفرق مكان القهوة، المهم أشرب كوباية الشاى وافصل شوية من الشغل.. كنت زمان مُحرجة من قعدتى على القهوة، لكن دلوقتى عرفت قهاوى بيقعد فيها السواقين والتاكسجية، عرفونى وعرفتهم، وطول ما الواحد ماشى بالاحترام ميخافش من حد». بعد فراق دام أكثر من 10 سنوات بينها وبين زوجها، وبعد مسئولية على عاتقها، تسير «أم ياسر» بالتاكسى على اعتقاد أنه «ضل تاكسى ولا ضل حيطة» يحميها من غدر الزمان: «أنا ضحيت بكل حاجة علشان ولادى.. وهفضل شغالة لغاية آخر يوم فى حياتى».