خرجت الجماهير فى الذكرى الثانية لثورة 25 يناير تعبر عن رفضها سرقة الثورة والانحراف بها عن تحقيق أهدافها، فضلاً عن سوء أحوالها المعيشية التى ازدادت تدهوراً فى ظل الأوضاع المضطربة التى مرت بها البلاد طوال المرحلة الانتقالية. وما تعرض له المعتصمون أمام قصر الاتحادية من عدوان، وحصار المحكمة الدستورية لمنعها من الفصل فى دعوى حل الجمعية التأسيسية للدستور، وعدم دستورية قانون مجلس الشورى، وحصار مدينة الإنتاج الإعلامى، وما شهده من اعتداء على بعض الشخصيات مثل المخرج خالد يوسف.. كل هذا ساهم فى تبادل العنف بين المتظاهرين وأجهزة الأمن وسقوط العديد من الشهداء. وقد أدركت القوى السياسية مدى الخطورة التى يمكن أن ينتهى إليها هذا المشهد إذا استشرى العنف واتسعت هذه المواجهات كما حدث فى السويس وبورسعيد والإسكندرية، وطرحت القوى السياسية العديد من المبادرات للخروج من هذا الوضع، مؤكدة أن هذا العنف المتزايد هو أحد مظاهر الأزمة الشاملة التى تعيشها البلاد، والتى ضاعف من حدتها سياسات الرئيس محمد مرسى بإصداره الإعلان الدستورى الذى يؤسس لعودة الاستبداد مرة أخرى. وكانت مبادرة جبهة الإنقاذ هى الأولى التى اقترحت أن تبادر السلطة إلى اتخاذ إجراءات محددة فى مواجهة هذه الأزمة، بتشكيل لجنة مستقلة للتحقيق فى سقوط شهداء جدد، وتشكيل لجنة قانونية محايدة لتعديل المواد الخلافية فى الدستور، وتشكيل حكومة إنقاذ وطنى تضم كفاءات ذات مصداقية تكون قادرة على اتخاذ إجراءات عاجلة فى مجال العدالة الاجتماعية والتعامل الفعال مع ملف الاقتصاد والأمن، وإزالة آثار الإعلان الدستورى بتعيين نائب عام جديد من بين ثلاثة قضاة يرشحهم المجلس الأعلى للقضاء، وأخيراً تقنين أوضاع جماعة الإخوان المسلمين التى تدير السلطة حالياً. وهكذا طرحت مبادرة جبهة الإنقاذ الوطنى القضايا الأساسية للمجتمع المصرى، وما يخص منها مصالح الناس بشكل خاص، وتبعتها مبادرات حزب مصر القوية ومبادرة الأزهر الشريف. تميزت مبادرة الأزهر بموافقة كل الأطراف على المشاركة فيها، بما فى ذلك جماعة الإخوان المسلمين وحزب الحرية والعدالة وجبهة الإنقاذ الوطنى، وقد دعت المبادرة إلى تنظيم حوار وطنى يجمع كل الأطراف. ولكى يثمر هذا الحوار ويحقق النتائج المرجوة يجب أن يعاد النظر فى اعتبارها مبادرة لوقف العنف، لأن العنف مجرد مظهر من مظاهر أزمة شاملة ذات أبعاد سياسية واقتصادية واجتماعية، ولا يمكن إيقاف العنف دون اتخاذ إجراءات فى هذه المجالات، بما يحقق مصالح الناس وتحسين أحوالهم المعيشية. من هنا أهمية أن يطلق عليها مبادرة «تحقيق مصالح الناس» وليس مبادرة «إيقاف العنف»، لأن تحقيق مصالح الناس هو الذى يفتح الباب أمام إنهاء العنف. كذلك فإن هذا الحوار لن يجدى ما لم تتوافر له سمات أساسية تكون موضع اتفاق الجميع؛ أولها: أن يتم تحديد أطراف الحوار، بحيث تقتصر على القوى السياسية الرئيسية، وثانيها: أن تقوم أطراف الحوار بتحديد جدول أعمال الحوار ليشمل القضايا الأساسية للمجتمع، مثل الأزمة الاقتصادية والعدالة الاجتماعية وهيكلة أجهزة الأمن وميثاق شرف للمنافسة السياسية وضمانات نزاهة الانتخابات، وقبل ذلك كله تعديل المواد الخلافية فى الدستور ليكون موضع توافق وطنى عام، وتشكيل حكومة جديدة تكون قادرة على التعامل الفعال مع المشاكل السياسية للمجتمع، وثالث السمات المطلوبة فى الحوار: أن يكون علنياً شفافاً يكون الشعب طرفاً فيه، وعلى معرفة بآراء مختلف القوى، وآخر هذه السمات: أن يتعهد رئيس الجمهورية بتحويل نتائج الحوار إلى سياسات تلتزم الحكومة بتنفيذها. ودون إدارة الحوار وفق هذه الأسس والسمات لن تكون له أى قيمة ولن تحقق مبادرة الأزهر أهدافها. إن انسداد الأفق السياسى أمام الجماهير يشيع اليأس فى صفوفها، ويدفع بعض قطاعاتها إلى اللجوء للعنف بعد فقدان الأمل فى حل مشاكلها بوسائل سلمية.