يا عم الظابط إنت كداب!

الكلمة «فقر».. واللحن «قهر».. والغنوة «ذل».. والمغنى «غلبان» والمستمع «متهان»، وفيما بينهما «جلاد».
أشفق كثيرا على ابن بلدى «حمادة».. فمأساة سحله لا تقل عن مأساة محاولته غسل يد الداخلية من جرمه.. والقضية ليست هو على الإطلاق ولكنها قضية كل مُعدِم فى هذا البلد.. المسحول أبوالمسحول ابن المسحول اللى بيعيش مكسور.. اللى اتمنوا الفجر ولكن يبدو أن الغلب حالف ما يفارقهم.. بيلاحقهم فى لقمة العيش اللى مش طايلنها.. وفى بنتهم اللى مش عارفين يجهزوها ويستروها.. وفى ابنهم اللى بيتفرجوا على عمره وهو بيضيع قدامهم ولا شغلة ولا مشغلة.. ناس عايشة وكل همها الستر فى لحظة موتهم يلاقوا كفنهم ويلاقوا التربة اللى تلم عضمهم.. كل دول حمادة وأكتر من حمادة.
والجلاد ربنا خلقه كده، اتولد من بطن أمه والكرباج فى إيده.. هو السلطان وأنت الصعلوك.. اتربى على أن التعذيب عدل.. والتلفيق مهمة وطنية لحماية الوطن من الكلاب.. الباشا لازم يفضل باشا.. الحاكم بيحبهم وهما بيحبوه.. علاقة خاصة جدا.. يتكتب فيها كتب وياما اتقال فيها أشعار على حيطة الزنزانة.
أزمة مشهد سحل حمادة أنه وضع ملايين المصريين على الخيط الرفيع الفاصل بين الذكورة والرجولة.. الذكورة التى يعيشها الكثيرون فى معناها المجرد المتمثل فى وهم «إمبراطورية الفحولة والسرير».. بينما الرجولة عنوانها «النخوة»، هذا الجسر الذى ينقل أصحاب الذكورة إلى معسكرات الرجال ومواقف الرجال.
وفى مشهد السحل ماتت «النخوة».. وفى السخرية من الضحية بعد تصريحاته الصادمة كان تشييع «النخوة».. ابتعدنا عن لب الموضوع والمعنى وأمسكنا فى تفاهات تنم عن شىء ما قد تعطل فى رأس هذا الوطن.
المعنى أن حمادة اتجرد من كلمة الحق بعدما اتجرد من ملابسه، وظن من فعل هذا الجرم أنه من الممكن أن يجردنا من عقولنا.. المعنى اللى قال عنه الخال الأبنودى فى أحزانه: «يا عم الظابط إنت كداب واللى بعتك كداب.. مش بالذل هشوفكم غير أو أسترجى منكم خير.. واحنا ولاد الكلب الشعب.. إحنا بتوع الأصعب وطريقه الصعب.. والضرب ببوز الجزمة وبسن الكعب والموت فى الحرب»!