ذكرت دار الإفتاء، أن إرسال المصريين بالخارج زكاة أموالهم إلى وطنهم مصر "جائز شرعا"، ويعد مساهمة فعّالة في تنمية الوطن وتقويته وإنعاش اقتصاده، لما لتدفقُ أموال الزكاة من أثر كبير على اقتصاد الدول وتنمية المجتمعات، للمساهمة في سد احتياجات أهلها، والإنفاق على مصارف الزكاة فيها، مِن مظاهر حب الأوطان، وحبُّ الوطن من الإيمان، وهو معنى شرعي مقاصدي معتدٌّ به شرعًا. وأضافت دار الإفتاء: "من المستقَرُّ عليه في دار الإفتاء المصرية منذ عهد الشيخ حسنين محمد مخلوف مفتي الديار المصرية في العام 1946م، وحتى يومنا هذا، أنه يجوز نقل الزكاة إلى مصارفها الشرعية في غير بلدها عند الحاجة وللمصلحة". وأوضحت دار الإفتاء، أنه عملًا بالمقاصد الشرعية والمصالح المرعية، يجوز إرسال المصريين المقيمين خارج مصر بزكاة مالهم وفطرهم إليها، بل ونرى أفضلية ذلك وأولويته في هذه المرحلة التي تحتاج البلاد فيها حاجة أكيدة إلى الإنفاق على مصارف الزكاة فيها، وكفاية المحتاجين وسد حاجة المُعوِزين؛ فمصر وأهلها أولَى بمساعدة مواطنيها وأبنائها. ولفتت الدار، إلى أن القرآن الكريم حدد مصارف الزكاة على العموم من غير أن يُحدِّدَ لها مكانا أو زمانا؛ فقال الله تعالى: "إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللهِ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ" (التوبة: 60)، وجاءت السنة المطهرة بتحديد الأموال التي تجب فيها الزكاة وأحكامها الجزئية على الوجه الذي تتحقق به مقاصدها الدينية والقِيمِيَّة والتكافلية والاجتماعية والتنموية. وأشارت الفتوى، إلى أن الأصل في أموال الزكاة أن تخرج ابتداءً مِن أغنياء كلِّ قومٍ لفقرائهم؛ حتى يتحقَّقَ المقصدُ التكافلي، ويحدث الاكتفاء الذاتي، وتظهرَ العدالة المجتمعية، وتَقِلَّ الفوارق الطبقية، وتُحَلَّ المشكلاتُ الاقتصادية، وتزدادَ وفرة وسائل الإنتاج وتَضعُفَ نسبة البطالة؛ فترتقِيَ بذلك أحوال الأمم والشعوب، وتتوطد أسباب الحضارة، وهذا هو الأصل الذي كان يجري عليه غالبُ العمل في عهد النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأصحابه، وهذا هو الذي تقتضيه مبادئ السياسة الشرعية؛ ولذلك نص عليه فقهاؤها فيما قرروه من المحددات العامة لوظائف الدولة وسياساتها الاقتصادية والمالية. وأضافت دار الإفتاء، في فتواها، أن هذا الأصل يجري أيضًا في زكاة الفطر؛ حيث فرضتها الشريعة أصالةً لإغناء فقراء كل بلد عن الحاجة في العيد؛ غير أن الفقهاء متفقون على مشروعية نقلها - بل ووجوبه - إذا زادت عن حاجة البلد، وأكثرهم على إجزائها إذا أُعطِيَت لمستحقيها ولو بغير بلدها، وحُكِيَ فيه الاتفاق والإجماع. وأوضحت الفتوى: "الشريعة راعت في الزكاة مصالح أخرى راجحة؛ كاشتداد الحاجة، وإغاثة المنكوبين، وأولوية قرابة المزكي وعصبته، وانتمائه لوطنه؛ تحقيقا لمعنى التكافل الاجتماعي والترابط القومي، ونقلها من بلاد غير المسلمين إلى بلاد الإسلام، وراعت أيضا ازدياد أهمية جهة معينة من مصارف الزكاة على غيرها؛ تحقيقا لمقاصدها الشرعية ومصالحها المرعية على الوجه الأتم". وأشارت إلى أن المتأمل في نصوص الشريعة وفعل السلف الصالح ونصوص فقهاء المذاهب الفقهية، يلحظ أن هذا المقصد أعمُّ من أن يكون مقصدا مكانيا بحتا، بقدر ما هو مقصدٌ انتمائي تكافلي اجتماعي، يدور في فلك تقوية الانتماء في نفوس المسلمين؛ دينيا كان هذا الانتماء، أو وطنيا، أو قبليا، أو عائليا، أو ولائيا. وذكرت الفتوى أن الشريعة أجازت نقل الزكاة عند اشتداد الحاجة في البلد المراد نقلُ الزكاة إليها؛ على مستوى الأفراد أو الجماعات؛ حيث كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يأتيه المحتاجون فيُنظِرُهم حتى تأتيَه الزكاة من خارج المدينة ليُعطيَهم منها. ولفتت الفتوى، إلى أن عُمّال النبي صلى الله عليه وآله وسلم كانوا يرسلون إلى المدينة بجزء من الزكاة؛ فكان معاذ بن جبل رضي الله عنه ينقل مِن زكاة أهل اليمن إلى المهاجرين والأنصار بالمدينة لحاجتهم وفقرهم، ونقل عدي بن حاتم رضي الله عنه زكاةَ قومه إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم بالمدينة، ونقل هو والزبرقان بن بدر رضي الله عنهما زكاةَ قومهما إلى أبي بكر الصديق رضي الله عنه.