ربما تكون قد قرأت عن «على الزيبق»، أو شاهدت المسلسل الذى عالج سيرة حياته.. فإذا لم تفعل فاعلم أن «على الزيبق» كان نموذجاً لما يطلق عليه «اللص الشريف»، أراد أن يدخل فى مواجهة مع الفساد الذى استشرى فى المجتمع المصرى فى العصر المملوكى، على يد العسكر والعسس (الشرطة) وكبار تجار ومشايخ البلد، الذين اقتسموا لقمة الفساد فيما بينهم. وقد اعتمد «الزيبق» فى مواجهته للفساد وتحقيق العدل على قاعدة: «الجزاء من جنس العمل»، فكان يضرب من يضرب، ويعتدى على من يعتدى، ويسرق من يسرق، ليعيد للفقراء ما اغتصبه الفاسدون منهم، ويسهم فى توزيع الثروة المنهوبة. تمتعت تلك الأسطورة الشعبية فى أذهان المصريين بحالة يمكن وصفها ب«الخلود»، وأسقطوها على كل «زيبق» يظهر فى حياتهم، كذلك فعلوا مع «أدهم الشرقاوى»، حين اعتبروه «لصاً شريفاً»، يأخذ من الأغنياء ليعطى للفقراء، ويخرب المنشآت من أجل البناء، والأمر نفسه تكرر عندما ظهرت شخصية «محمود أمين سليمان» فى الستينات، وقد صاغ المبدع «نجيب محفوظ» قصته فى رواية «اللص والكلاب»، وتحكى عن «سعيد مهران» الذى أراد أن يقيم العدل ويقتص ممن خانوه بيديه، فأخذ فى مطاردتهم، وأكد حق الفقير فى سرقة الغنى إعمالاً لمبدأ «ما أُخذ بالسرقة لا يسترد إلا بالسرقة»! ومن عاش فترة الستينات يستطيع أن يتذكر بسهولة كيف كان المواطن العادى ينظر إلى «محمود أمين سليمان» الذى لُقب ب«السفاح» نظرة انبهار، ويرى فيه نموذجاً للبطولة والبحث عن العدل، والانتقام من الخونة، وأنه كان يؤذى فقط من يستقوى القلب على غيره، فى حين كان يساند الضعفاء ويمد لهم يد المعونة. وجوهر افتتان الكثيرين بهذا النوع من «المخرّبين الشرفاء» يرتبط بإحساس الجموع بغياب العدل، وأن القانون مجرد أداة لحماية الأقوياء وسحق الضعفاء. والسمة الأساسية التى تجمع بين هذه الشخصيات -وما مجموعات «البلاك بلوك» منهم ببعيد- هى سمة «الزيبق». فأنت لا تستطيع أن تمسك بها بحال من الأحوال؛ إذ تعتمد على الحيلة والدهاء فى حركتها، بصورة تصعب على أية قوة، مهما كانت «غشومة»، الإمساك بها؛ فهى مثل «الزيبق» تتفلت من اليد، وهى تجيد التخفى والتنكر، فمرة تظهر لك بقناع، فإذا علّمتها به، خلعت لك القناع أيها الساذج، ومرة تتشح بالسواد فإذا طاردتها، اتشحت بثوب آخر أيها الأبله، وإذا لاحقتها بالمدرعات والمجنزرات الثقيلة استغلت خفة حركتها على الأقدام فى النيل منك أيها المغرور بقوته. مهما استعنت بآلتك الأمنية، أو قوانينك التى تحمى الأقوياء، فى القضاء عليها لن تستطيع.. ليس أمامك فى مواجهتها إلا حل واحد، يا عدو نفسه: العدل والاستجابة لمطالب ثورتها!