◄الشعب أحبه لأنه يعيد تقسيم الثروة بنفس طريقة الولاة الظالمين..فيرد إليهم حقهم ويشفى غليلهم من سارقيهم عيل شقى، والمصريون يحبون العيال الأشقياء، هذا هو «على الزيبق»، صاحب أشهر ملحمة سيرة شعبية فى الأدب الشعبى المصرى، ميزة على الزيبق الأساسية، هى ملاعيبه وحيله وذكاؤه الفذ، وهذا ما جعل الناس تنظر إليه بمحبة وإجلال، لإعجابهم بتلك الشخصية التى من الممكن أن تقابلها فى الشارع وتسهر معها، وتعزمها على العشاء، و«تسلفها» و«تسلفك». «على الزيبق» ابن الحتة، الذى فعل ما يعجز عنه الكثيرون، فعل الأعاجيب بلا قدرات خارقة، ولا استعانة بساحر أو جنى. هو رجل من لحم ودم، يحب ويحلم، يفرح ويغضب، يكسب حينا فيفرح الناس، ويخسر حينا فيتعاطفون معه، وهذا التعاطف يبينه ما تمت كتابته على غلاف الطبعة الشعبية لهذه السيرة منذ مئات السنين، وهذا نصها: «هذه سيرة العايق الشاطر على الزيبق المصرى، ابن المقدم حسن راس الغول، صاحب الملاعيب المشهورة، وما جرى له مع المقدم صلا ح الكلبى والمقدم أحمد الدنف، وحسن العايق، وعلى الأقرع، وحسن شومان، وحسين زريق السماك، والعايقة فاطمة الفيومية، والدليلة المحتالة و(بنتها) زينب النصابة، وما حصل بينهم من ملاعيب» وفى هذه المقدمة لم يمنع الناسخ نفسة من أن يحب من أحب الزيبق، وأن يكره ما يكرهه، فيسمى أقاربه وأصدقاءه بألقابهم وأسمائهم العادية، بينما يسب كل من كنّ العداوة للزيبق ويشتمه بحرقه، كما لو أنه كان أحد أصدقائه أو كأنه هو. حكاية على الزيبق يكاد يعرفها كل المصريين تقريبا، وخاصة بعد أن تم تنفيذها كمسلسل تليفزيونى، وتدور أحداث تلك الحكاية بين مصر وبغداد، وتحكى قصة «فساد» كبيرة يشترك فيها كل أطراف السلطة، ابتداء من الخليفة وانتهاء بالعسكر والعسس، والكل فى دائرة الفساد مشترك، ومن كثرة الفساد أصبح «حاميها حراميها» قولا وفعلا، فالمسئول عن حفظ الأمن والملقب باسم «المقدم» ما هو إلا حرامى وعايق، أراد الوالى تجنب فساده وسرقته فجعله على رأس جهاز الأمن ليضمن أنه لن يسرق إلا بإشرافه وتحت رعايته، وأحداث هذه السيرة تلقى الضوء على حياة أبو على الزيبق، المقدم حسن راس الغول، وصراعه مع ثنائى الشر المستعر، المقدم «صلاح الكلبى» ،والمقدمة «دليلة العراقية المحتالة» اللذين تكالبا على «راس الغول» وأهلكوه، وجاء «على» لينتقم من هذا الظلم والطغيان، خلافا لرغبة أمه الست فاطمة الفيومية أو فاطمة «أنثى الأسد»، التى كانت تريد لابنها حياة آمنة مستقرة، إلا أن «العرق دساس» فلم يجنح على للأمان، وسلك مسار أبيه فى الشطارة والعياقة، وحارب «صلاح الكلبى» بالحيلة والذكاء فتغلب عليه وعلى دليله، واستهزأ به أمام العامة والخاصة، وحينما تسوء الأمور، تظهر الأم لتدافع عن ابنها وتنقذه من المهالك مرة بعد مرة. احتلال «الزيبق» لهذه المكانة المتميزة فى عقول المصريين وقلوبهم، جاء نتيجة ما يمثله هذا اللص الشريف من تحقيق قيمة العدل ،المبنى على أساس أن الجزاء من جنس العمل، فكما تسرق السلطة أقوات الناس وأحلامهم، يسرق الزيبق ممثل الناس السلطة التى استولت على الثروات بالبطش والطغيان، وما «الزيبق» إلا مندوب لإعادة توزيع هذه الثروة المنهوبة. أهم ما يميز قصة على الزيبق هى علاقته بأمه التى كانت على قدر كبير من الحساسية والجمال، فاطمة الملقبة ب«أنثى الأسد»، لا تلقى بابنها إلى التهلكة، لكنها أيضا لا تحرمه من الأخذ بحقه، والاعتراض على الظالمين، وإذا اشتد الكرب، ونفدت حيل «الشاطر» وبات على بعد خطوات من الموت تظهر فاطمة لتنقذ ابنها من الموت، بشجاعة واستبسال، فإذا غرر به أحد وأرسله إلى الصحراء ليموت من الجوع والعطش، جاءت إليه لتطعمه وتسقيه، وإذا التف حول رقبته حبل المشنقة جاءت إليه لتنقذه بشجاعة ألف فارس، وإذا فشل فى حبه واكتشف غدر حبيبته ضمته إلى صدرها الدافئ لتعوضه عن حنانه المفتقد، وهذه هى الأم التى تتصدر مشهد البطولة دائما، والتى يقول عنها ناقدو الأدب ودارسوه إنها ترمز للأرض أو الوطن، والتى لا تطالب أبناءها بما لا يستطيعون، لكن إذا اكتشفت أنهم على قدر المسئولية ساعدتهم، ووقفت بجانبهم، حتى لو كانوا لصوصا، فى زمن لا يقدر فيه المرء أن يأخذ حقوقه المسلوبة إلا بالسرقة. موضوعات متعلقة.. ◄عشماوى.. الرحمة حين تنبت لها شوارب مرعبة ◄جحا.. بطل يمكن تكراره وأول من جمع «الهبل مع الشيطنة» ◄على بابا.. الحطاب الطيب الذى فتح له «سمسم» باب الثراء ◄هؤلاء مرشحون للدخول إلى ذاكرة الوجدان الشعبى بجدارة ◄على الزيبق.. روبن هود على الطريقة المصرية ◄شهريار .. السفاح الذى نجا من محكمة مجرمى الحرب ليقع فى قبضة زوجته شهرزاد هانم ◄الظاهر بيبرس.. فهم الدور التاريخى للحاكم فأحبه الناس ◄عنترة بن شداد.. أبوالفوارس الذى صنع نفسه بدمه وعرقه ◄مارجرجس.. سريع الندهة.. مغيث المصريين ◄«أدهم الشرقاوى».. مثل السادات الأعلى.. والسياسة وظفته لتعميق البطولة بين الناس ◄سيدنا الحسين.. مدد يابن بنت رسول الله «صلى الله عليه وسلم» ◄الزناتى خليفة.. القوة والشجاعة حينما تقتلها الخيانة ◄أبوزيد الهلالى سلامة.. البطل العادل الذى يحتاجه العرب ◄أبطال الخيال الشعبى فى مصر ◄حكم قراقوش.. ديكتاتورية الأغبياء فى كل زمان ◄أيوب.. إنا وجدناه صابرا ◄شفيقه ومتولى.. الملحمة التى جعلت من القاتل بطلاً ◄حسن ونعيمة.. الحب حينما يتحول إلى دم ودموع ◄كان ياما كان الشاطر حسن تزوج ست الحسن والجمال فى زمان مثل زماننا بالضبط ◄أمنا الغولة والنداهة وأبو رجل مسلوخة.. الثلاثى المرح الذى يميتنا من الرعب ◄مريم العذراء.. التى تجمع المسلمين والمسيحيين تحت جناحيها ◄أم العواجز.. رئيسة جمهورية مصر الشعبية ◄فرعون.. أليس له ملك مصر وهذه الأنهار تجرى من تحته ◄قارون.. إمبراطور المال فى تاريخ البشرية يزورنا فى المنام!