تستطيع جبهة الإنقاذ، إن استمر غياب مقومات إنجاح حوار الرئاسة، أن تدعو هى إلى حوار حول الوطن يتناول محاسبة المسئولين عن العنف وإراقة دماء المصريين، إدخال تعديلات جوهرية على الدستور، تشكيل حكومة للإنقاذ الوطنى تضطلع بملفات الفقر والعدالة الاجتماعية والوضع الاقتصادى والأمن. حوار حول الوطن تشارك به كافة الأحزاب والكيانات السياسية، ويعهد بإدارته لممثلين مستقلين للمجتمع المدنى وللحركات الاحتجاجية المختلفة. مبادرة كهذه ستعنى أن الجبهة تتحرك إلى خانة الفعل السياسى الإيجابى، عوضاً عن رفض الدعوة إلى حوارات تغيب عنها مقومات النجاح ثم الوقوف ساكنة فى ظل أزمة صعبة تعصف بالوطن. والحقيقة أن الكثير من قوى المعارضة فى دول نجحت فى إدارة تحولاتها الديمقراطية وظفت الفعل السياسى الإيجابى لمواجهة قوى الحكم حين أرادت الهيمنة على السياسة وشئون الدولة. حدث هذا فى دول أوروبا الشرقية وفى أمريكا اللاتينية، حيث نظمت قوى المعارضة حوارات وطنية دون مشاركة الحكم أو بمشاركته بعد الموافقة على أجندة الحوار ومقومات إنجاحه وأخرجت دولها ومجتمعاتها من أزمات سياسية ومجتمعية كبرى. والحقيقة أن من بين الخصائص الرئيسية للتحولات الديمقراطية والمراحل الانتقالية السيولة العالية للمشهد السياسى والمجتمعى وهو ما يمكن المعارضة من تجاوز طرق الفعل التقليدية والخروج من خانة انتظار سياسات وممارسات الحكم ثم التعاطى معها قبولاً أو رفضاً أو تطويراً. تستطيع قوى المعارضة، بدلاً من انتظار حوار تدعو إليه الرئاسة، أن تدعو هى إلى الحوار وتحدد مقوماته. تستطيع قوى المعارضة، بدلاً من مطالبة الحكم بتشكيل حكومة إنقاذ أو وحدة وطنية، أن تشكل هى هذه الحكومة كحكومة ظل وتعرضها على الرأى العام للحصول على ثقته. تستطيع المعارضة، عوضاً عن المطالبة بمحاسبة المتورطين فى العنف والقتل، أن تكون هيئات للتحقيق وللعدالة الانتقالية وتضغط سياسياً على الحكم لإعطائها صفة الوجود القانونى. أمام المعارضة فرص كثيرة للفعل الإيجابى، ومسئوليتها الوطنية أن لا تضيعها رفضاً أو انتظاراً أو أملاً فى سكون.