أكثر ما سأكتبه فى حياتى عزفا على أوتار قلبى تلك الأسطر التى ستروى علاقتى مع أكثر الناس تأثيراً فى حياتى وكم أنا فخور أنى سأقدر أن أقول ذلك أخيرا.. إنه أبى من البداية وكل الحكاية وكل ما سأجنيه فى طريق حياتى كان أبى هو الذى زرعه فى داخلى. لقد علمنى أبى كيف أفكر منذ الصغر، علمنى أشياء كثيرة جعلنى أصنع عقلى دون أن يتدخل فى صياغته، علمنى كيف أشكل فكرى من خلال القراءة، وكانت أكثر الأشياء التى كانت توجهنى فى صغرى حكاياته التى كانت ترسم لى الطريق، علمتنى تلك الحكايات أن أبحث عن العبرة فى كل حكاية أسمعها، فمن المؤكد أن هناك عبرة هناك ومضة تضىء دربى إلى المعرفة، كانت أكثر الحكايات التى سمعتها من أبى فى صغرى وظلت ترافقنى إلى الآن تزرع بداخلى الأمل والإصرار كانت حكاية أبراهام لينكولن رئيس الولاياتالمتحدة فى نصف القرن التاسع عشر ومحرر العبيد فى الولايات والمنتصر فى الحرب الأهلية بين الولاياتالأمريكية الشمالية والجنوبية، كان أبى يحكى لى كيف بدأ أبراهام لينكولن كيف كان فقيرا معدما وكيف كان استهزاء أحد الناس منه دافعه أن يكون ذا شأن كبير فى الولاياتالمتحدة، وكيف صار متعلما ودارسا للقانون، وكيف كان كلما يفشل فى شىء يعود ويقاوم لينجح فيه، وكيف جاء من بعيد من الفقر المدقع إلى رئاسة الولايات، وكيف خاض حربا لينهى الرق فى الولاياتالمتحدة وكيف كانت نهايته من أجل هدفه، ورغم موته أصبح رمزا للإصرار والعمل والحرية وكيف يخلده التاريخ وكيف ينظر له الناس الآن بعين الإجلال فى كل العالم، كنت صغيرا جدا لكنى فهمت الومضة أنه مهما فشلت ومهما سقطت علىّ النهوض والإصرار والمحاولة حتى النجاح، ودائما حينما تجابهنى الدنيا بعثراتها أبتسم وأقول تلك العبارة التى كان يسجلها أبراهام فى كتبه -أنه سيكون لأبراهام لينكولن شأن عظيم فى البلد - أبتسم وأبدأ من جديد مهما كان سأصل لأنى مصرٌ أن أصل إلى النجاح. ظل أبى على طول عمرى يضىء دربى رغم أنى خذلته كثيراً لكنه ما زال يضىء دربى، فحينما أجلس بين المثقفين الكبار وأحاورهم ينظرون لى كيف رغم صغر سنى صلب على أرض راسية أراها فى عيونهم لكنى أبتسم وأقول بداخلى هذا صنع أبى الذى لم يحاول أن يسطو على فكرى ويحوله إلى نسخة مكررة منه، كم أنا فخور أنه أبى وكان أكثر ما أسعدنى أنه حينما نشر مقالى الأول قرأه ولم يعلق عليه وبعد أيام أتى لى بعدة كتب تحوز الثقافات الكثيرة من سارتر وتولستوى وإيفان تورغينيف وحتى مصطفى محمود ومصطفى صادق الرافعى وكثير من دواوين الشعر رغم أنى أعلم أنه لم يقرأ لأعلام الفكر الغربى السالف ذكرهم لكنه فقط أراد أن يستمر فى أن يضىء دربى بشىء جديد، هذا هو أبى يستقر بقلبى وخلدى ويعطينى رمزا كيف يكون الأب ويعطينى الرسم التفصيلى كيف أكون أباً يضىء الطريق لأبنائه، أعتقد أننا نحتاج كجيل أن نكون كأبى آباء قادرين أن نعطى لأبنائنا الفرصة أن يشكلوا وعيا وعقلا قادرا على الإدراك وعلى المعرفة وأن نعلم أن دور الآباء كبير جداً فى إرساء الوعى فى مدارك أبنائنا أكثر من المدارس وطرق التعليم فى بلادنا وإذا أردنا أن نكون جيلاً ذا وعى أكثر منا بعيدا عن تشوهات الفكر وعصبياته التى يعانى منها جيلنا والتى أرساها تعليمنا الذى تفنن فى تدمير ما نصل له من وعى وفكرخارجه، علينا أن نكون آباء كالشموس فى طريقهم نرشدهم إلى الصواب ولانصنع منهم نسخا مشوهة منا ومن وعينا. وبالنهاية.. أشكر أبى وأمى أنهما ربيانى صغيرا وعلمانى وأرشدانى كيف أكون إنسانا قادراً ذا عقل، مخلصا لربى ودينى ومحباً لهما ومحبا لوطنى مصر الأبية.