تختلط الأقلام وتتبعثر الأفكار فى هكذا كوارث، نريد أن نكتب فلا يسيطر على أدمغتنا سوى آخر مأساة حدثت لوطننا الغالى، الذى توالت عليه محن كثيرة، باتت مكثفة خانقة مرهقة للروح وقاتلة للأعصاب. جميع الشعب تقريباً يتحدث عن طائرتنا المنكوبة، الكل لديه شغف ونهم لمعرفة ما سوف تؤول إليه الأمور، التفاصيل تجذبنا، بل نلاحقها، نتابعها، بألم محموم، لمعرفة كل خيوط الحادث وملابساته وأسراره، ونحن حسرة نراقب أمواج ذاك البحر الكاتم لأسراره، إذ تبحث العيون فى حيرة قاسية عن أى أثر لضحايا الطائرة. لا أحب النغمة القائلة، إن الجميع أصبح محللاً وخبيراً فى شئون الطيران، لا أحب التعالى على طريقة الناس فى تعبيرهم عن حزنهم، فليحلل من يشاء وليفكر من يشاء وليستنبط من يشاء! الجميع حر فى حزنه وتفكيره وأقواله وأفكاره! المصاب جلل والكارثة تخصنا جميعاً، العقول فى أدمغتنا للاستخدام وليس لاستقبال أخبار أهل الأخبار!!!. بل إن دولاً ضخمة وعظمى بدأت باستنتاجات إرهاصاتها الخاصة، دون الاستناد إلى أى معلومة من أى نوع ودون الارتكان إلى أى منطق أو دليل، فقد تبرعت «بى بى سى» البريطانية بأن الطائرة قديمة تعانى أعطالاً فنية وأن حادثاً قديماً مشابهاً فى 2013 أودى بذات الطائرة لهبوط اضطرارى، وتشدقت أمريكا بعبقريتها إلى أن الحادث انتحارى من قبل قائد الطائرة، ذات العبارة التى استخدمتها أمريكا بالعام 1999 إثر التحقيق فى حادث تحطم البوينج بى 767-300 التابعة لشركة مصر للطيران، التى تحطمت بالقرب من أحد السواحل الأمريكية بعد ساعة من إقلاعها، وهى ما تعرف مجازاً (بطائرة البطوطى) الذى اتهمته أمريكا أيضاً بأنه انتحر بالطائرة مستشهدة بعبارة (توكلت على الله) التى قالها واستمعوا لها أثناء إفراغ الصندوق الأسود، ذاك الصندوق الذى لم تفرج أمريكا عن تسجيله كاملاً!! لتتمكن من إلصاق التهمة بمصر للطيران وطيارها (البطوطى)، على الرغم من أن تفسير مصر للطيران حينها رجح أن الحادث كان متعمداً، وجاءت شهادة طيار ألمانى كان على خط ملاحى قريب من الطائرة المصرية وقت وقوع الكارثة، بأنه شاهد جسماً غريباً يمر بالقرب منه قبل وقوع الحادث بلحظات، ولكن شهادته بالطبع لم تؤخذ بعين الاعتبار، وربما ساعدت معلومة (أن الطائرة كان على متنها وفد عسكرى يتكون من 33 فرداً و«ثلاثة خبراء فى الذرة» و«سبعة خبراء فى مجال النفط»!!) فى فهم حقيقة ما حدث الذى بالطبع لن يعلن أبداً. أما وجعنا الحديث الذى يخص طائرتنا، فقد ذهبت أغلب الترجيحات المصرية والفرنسية والعالمية إلى أنها نتيجة عمل إرهابى، وهى النتيجة الأقرب لعقول الغالبية من المصريين (غير المتخصصين، لكنهم أصحاب المصيبة). وإلى أن تظهر نتيجة التحقيقات، فسوف نسمع كل خمس دقائق عن أنباء متنوعة ثم نفيها، وتكهنات وتوقعات واستنتاجات، ربما صح أحدها وربما لا، لكنه ما سوف يحدث، خلال الأيام المقبلة. وقد حدث بالفعل أنه تم الإعلان من قبل اليونان على العثور على أجزاء من حطام الطائرة وبعض المتعلقات الشخصية للركاب، لكن نتائج التحقيقات عادت ونفت صحة الخبر، فى إشارة إلى أن تلك الأجزاء لا تعود لطائرة «مصر للطيران»، كما تسربت أيضاً أنباء عن إذاعة خبر الحادث قبل حدوثه بثلاثة أيام، على شبكة سكاى نيوز، ثم تدارك الأمر وعدل (تاريخ نشر الخبر)، لكن حتى تسريب أو التقاط هذا الخطأ (أمر عجيب)! فالآن كل شىء قابل للتشكك والتحقق وليس كل ما يقال صحيحاً وليس كل ما يعرف يقال وليس كل ما يذاع يعقل!!! هى أحجية قاتمة، ثقيلة الظل. بالنهاية نحن أبناء هذا الوطن الغالى قد سئمنا من عناق الموت للأخبار يومياً ولأرواحنا! إنه اغتيال معنوى للشعب المصرى، فعندما نتابع قنوات الأخبار وتغطيتها للحادث بتفاصيله وقصص ضحاياه الموجعة وصورهم وآخر ذكرياتهم، فالقلب يعتصر ألماً وحزناً، ثم يجهز عليك كاملاً عندما تنتقل عينك إلى مشهد ألم وبكاء وفقدان أمهات شهداء حادث حلوان أثناء تسلمهم أجساد فلذات أكبادهم!! الطائرة مصرية والوجع مصرى والتحدى مصرى، بالطبع الأمر يتعدى مصر إلى الشرق الأوسط كافة، لكن مصر هى المقصودة والمرصودة من شياطين العالم، الذين باتوا مكشوفين لا تخطئهم عين ولا يتجاوزهم عقل. مؤامرة!! نعم هى مؤامرة، سواء كان الحادث إرهابياً أم لا، بالفعل هناك مؤامرة، وحرب قذرة معروف أطرافها وأدواتها وخُدَّامها! لا يسعنا إزاءها إلا الثبات والجلد والبكاء بعيون مفتوحة يقظة، يملأها القوة والعنفوان والعزم على الأخذ بالثأر، نحن صناع القرار، نحن الشعب، نحن الوطن، نحن أصحاب الوجع، ولا مكان بيننا لشامتين، ضعفاء، وقطعاً لا قبول بالهدنة مع القتلة ولا باللين، ولا تسامح مع أى تبجح دولى! الحسم والحزم والقوة والصبر، هى أدوات المرحلة، فى معركتنا الأزلية ضد العدو الأقدم.