هو شاب جامعى فى الثلاثين من عمره يشغل وظيفة محترمة.. ومن عائلة كبيرة.. يقول عن نفسه إنه يتمتع بسمعة حسنة لكنه فى الحقيقة لا يستحقها لأنه لص.. وقصته مع السرقة تبدأ منذ الصغر فقد كان وهو تلميذ يهوى سرقة الأقلام من زملائه.. والآن هو يدخل المطاعم الفاخرة ويأكل وينصرف دون أن يدفع الحساب.. ويدخل المحلات الراقية.. وبطريقة لا شعورية يجد يده تمتد إلى أشياء يسقطها فى جيبه فى غفلة من البائع.. وأغرب حادث سرقة أقدم عليه أنه أثناء جلوسه فى القطار المتجه إلى الإسكندرية وفى أحد دواوين الدرجة الأولى وليس معه إلا فتاة.. انتهز فرصة أنها أغمضت عينيها وأخذتها سنة من النوم.. وفى أقل من نصف دقيقة أخذ حقيبتها وقفز قبل «طنطا» بقليل.. والمدهش أنه أهدى كل الملابس التى بها إلى فتاة ساقطة كانت تتردد عليه. يقول هذا الشاب فى رسالة يوجهها إلى «د. مصطفى محمود» الذى كان يحرر وقتها باب «اعترفوا لى» فى مجلة «صباح الخير». «عندى من الأقلام وزجاجات العطر والنظارات والكرافتات.. والأحزمة والشرابات والولاعات ما يكفى لفتح محل.. كلها لطش.. لكنى لص شريف أسرق بحوافز لا إرادية.. أرى يدى تمتد من تلقاء نفسها فتلطش كل ما تراه.. إنى مريض بداء السرقة.. فما هى الوسيلة التى أعالج بها نفسى؟ فأنا خائف من أن يلقى بى فى التخشيبة.. وحينئذ لن أخسر سمعتى فحسب وإنما سوف أتسبب لأهلى فى عار أبدى». والمرض النفسى الذى يقصده صاحب الرسالة هو «الكلبتومانيا» وفيه يجد المريض لذة فى فعل السرقة نفسه لا لذة فى الحصول على الشىء.. فلو أنك قدمت للمصاب بهذا المرض هدية لما أسعده ذلك بقدر ما يسعده أن يسرقها خلسة منك.. وهو لا ينتفع بالأشياء التى يسرقها لأنه لا يسرق بدافع الاحتياج.. بل كثيراً ما يكون ثرياً.. وهو يصاب بتوتر عنيف وهو يركز نظراته على الشىء الذى يرغب فى سرقته حتى ينقض عليه ويخفيه فيتبدد توتره.. ويشعر بالارتياح. وقد قيل إن الملك فاروق كان مصاباً بهذا الداء.. وبدأ بسرقة الولاعات وأقلام الحبر والملاعق والشوك وتطور إلى سرقة التفاتيش والضياع وتمادى إلى سرقة النساء.. فقد كانت المرأة لا تحلو فى عينيه إلا إذا كانت مرتبطة بآخر مثل «ناريمان» التى اختطفها من خطيبها.. و«سامية جمال» من «فريد الأطرش». لكن «مصطفى محمود» فى رده على صاحب الرسالة كان له رأى آخر.. فهو يستنكر ما أطلقه القارئ على نفسه بأنه «لص شريف»، حيث لا يأخذ من الأغنياء ليعطى الفقراء.. بل يأخذ ما تمتد إليه يده إلى فمه وجيبه.. وما يزيد على حاجته يوزعه على الساقطات.. وليس على شحاذى «السيدة زينب».. وحكاية السرقة اللاشعورية اللاإرادية التى دون تفكير وتدبير هى «تبكيشة».. بدليل ما رواه عن سرقة فتاة القطار.. وكيف أنه فكر ودبر ونفذ كل شىء فى نصف دقيقة.. فالسرقة ليست عملا ً فسيولوجياً تلقائياً مثل النبض لنقول إنها تحدث تلقائياً.. وإنما هى عملية معقدة تشترك فيها اليد والذكاء والتدبير والخيال والإرادة.. ويلقى «مصطفى محمود» بقنبلة حينما يقول «يقولون فى علم النفس إن مثل هذه الحالة تنشأ بسبب عقدة فى الطفولة.. لكن الحقيقة أن نصف ما يدعيه علم النفس «تبكيش» أمريكانى.. والحرامى هو حرامى يسرق بعينين مفتوحتين وليس بالتنويم المغناطيسى.. ولكنها موضة القرن العشرين أن يقتل القاتل ويقول عندى جنون القتل ويسرق السارق ويقول عندى جنون السرقة.. وقد جاء «فرويد» ليعطى للزانى والقاتل واللص مبررات علمية.. وقد انحسرت الآن هذه الموجه الفرويدية.. وأصبح كثير من مسلمات «فرويد» مشكوكاً فيها لأنه يضع الإنسان بعقله الواعى وإرادته الواعية فى ربقة الحوافز الباطنية الدقيقة وفى يد الشبح الخفى الذى اسمه العقل الباطن يفعل ما يفعل ثم نقول هى حوافز باطنية وعقدة وكومبلكس» والآن.. هل نصدق «الكلبتومانيا».. أم «مصطفى محمود»؟!