سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
بالصور| أهالى الوراق يقطعون الطريق هرباً من «الموت فى المعدية» «الصرف» فى النيل و«المعدية» تغرق بحمولتها.. ووسيلة النقل «جمل» والمستشفى «من غير دكاترة»
منتصف النيل هو الموقع الذى انبثق منه «طرح البحر» مكوناً الجزيرة الأكبر فى مصر، تحدها من الشمال محافظة القليوبية ومن الشرق قاهرة المعز ويطل عليها من الجنوب المحافظة التى تتبعها إداريا «الجيزة»، تعدادها يزيد على ال80 ألف نسمة، مع سكانها المزدحمين فى قطعة أرض لا تتجاوز مساحتها 1400 فدان تتفاقم المشاكل بمنأى عن سلطة الدولة، فالجزيرة خارج حسابات الحكومة منذ أمد بعيد، حولها وزير الإسكان الأسبق «إبراهيم سليمان» إلى محمية طبيعية، فتساءل سكانها: «هو فيه هنا حيوانات نادرة واحنا منعرفش؟!»، غابت الخدمات وحل الإهمال، أزمات تتوالى ولا أحد يستجيب، فالثورة لم تغير الواقع المفروض على ساكنى الجزيرة.. مرحباً بكم فى «جزيرة الوراق». الشاطئ الشمالى للجزيرة يحظى بزحام شديد فهو المدخل الرئيسى، تقف مجموعة كبيرة من المواطنين والسيارات المحملة بالبضائع فى انتظار «المعدية» وسيلة المواصلات الوحيدة التى يستطيع المرء أن يستقلها ليدخل إلى «المحمية»! ما يزيد قليلا على 200 متر هى المسافة التى تفصل الوراق عن «دمنهورشبرا الخيمة»، تقطعها «عبارة» فى 3 دقائق، يقف ساكنو الجزيرة على شاطئ النهر منتظرين إياها لمدة لا تقل عن 30 دقيقة كما يؤكدون. حاولوا الوصول إلى المسئولين لتعديل أوضاعهم، رفضوا بتعنت، فقرروا قطع الطريق أمام وزارة النقل، فمنذ أن تحولت رخصة «المعدية» إلى المتعهد الجديد وهم يعانون: «إحنا بنقف بالساعات لما الوابور يعطل»، يقول مجدى محمود أحد سكان الجزيرة، «حالة العبارات المتهالكة التى قام بشرائها المتعهد من المنيا وحشة جدا» كما يقول مجدى، فقبل أربعة أشهر كان الحال غير الحال، داوم «القبطان القديم» على خدمة سكان الجزيرة بعدد من المعديات: «الراجل كان بقاله 40 سنة شغال ومحدش اشتكى»، وعندما قرر رئيس هيئة النقل النهرى عمل مزايدة جديدة «دخل ناس مش فاهمة فى المية ورسى عليهم العطا»، الأمر الذى أثار غضب أهالى الجزيرة، فالرجل الذى تسلم المرسى لا يستطيع تولى أمره، «حاولنا نشتكيه لكن عنده ضهر جامد مسنود عليه»، يقول مجدى مشيراً إلى صلة الصداقة التى تجمع الملتزم الجديد بالمهندس محمود عامر المنتمى لجماعة الإخوان المسلمين وعضو مجلس الشعب السابق عن دائرتهم. يؤكد الأهالى أن «المراكب» غير مطابقة للمواصفات وأنهم حاولوا تصعيد الأمر للرئيس: «عملنا مذكرة وشوشرة ورئيس هيئة النقل النهرى قرر إعادة المناقصة»، نفوذ صاحب المشروع منع القرار -كما يؤكد مجدى- فبعد صدور مرسوم من وزير النقل بإعادة الممارسة والإعلان عنها بجريدة الأخبار، استغل الرجل نفوذه ومنع الإعادة، الأمر الذى أصاب سكان الجزيرة بالغضب ودفعهم لقطع الطريق، «مساعد الوزير قال لنا هشكل لجنة هندسية تفحص العبارات وآدينا مستنيين»، قلقهم على أولادهم شديد بسبب سوء الحالة الفنية للمعديات: «الحكومة ميهمهاش غير الفلوس، بدليل إنهم بيفتحوا المظروف المالى فى المناقصات قبل المظروف الفنى، طظ فى الناس». يحكى عبدالله متولى مأساته مع «المعدية»، فمنذ شهر حدث له أكثر المواقف رعباً فى حياته، مرض والده بشدة، أصابته جلطة وأصبح من المستحيل إسعافه، ذهب عبدالله ليحضر سيارة إسعاف تابعة لمستشفى القصر العينى، أتت السيارة وانتظرت على الشاطئ أكثر من ساعتين للعبور إلى الجزيرة، عبرت السيارة التى تحمل المسعف والسائق والشاب العشرينى ووصلت إلى بيتهم، قرر المسعف حمل «الحاج» بصورة عاجلة لنقله إلى المستشفى، تحركت السيارة وسط الأزقة حتى وصلت للشاطئ ليفاجأوا جميعاً أن العبارة توقفت عن العمل بسبب انتهاء المواعيد الرسمية، حسبما قال له سائق العبارة، صرخ الشاب فى وجهه: «والدى بيموت»، فأشاح الرجل بوجهه وآثر الصمت، لم يعد هناك بديل سوى محاولة إسعافه على الجزيرة، ذهب الشاب الثلاثينى بوالده إلى «المستشفى القروى» فلم يجد أخصائى واحد فيه: «المبنى فخم، بس من غير دكاترة» يقول الشاب، أخبرته الممرضة «شيماء» أن المستشفى ينقصه الكثير من الأدوات ويستحيل إسعاف مرضى القلب: «مفيش هنا غير الدكتور حسن وده من سكان الجزيرة، بس مش هيقدر يعمل حاجة لأن مفيش أدوات، لما بتيجى حالات كسور بيجبسها رغم إنه مش أخصائى»، المبنى الفخم لا يضم بين جنباته سوى «طبيب باطنى واحد ومفيش دكاترة أنف وأذن أو عظام أو قلب رغم أن معظم الإصابات هنا بتبقى كسور» تقول الممرضة، اضطر عبدالله إلى المكوث على الشاطئ حتى الصباح الباكر لحين حضور وسيلة النقل، نقل والده إلى المستشفى، وتبين فيما بعد أن الوقت أصبح متأخراً، فقد تسببت الجلطة فى إصابة والده بأضرار جسيمة لن يستطيع الطبيب علاجها. «دى إتاوة وبتفرضها الحكومة علينا» يقول صاحب المعدية رأفت عبدالنبى، مطالباً وزارة النقل ومحافظة الجيزة بعمل كوبرى للمشاه، «رغم إنى هخسر بس مش مهم عشان خاطر المصلحة العامة»، توفى ابن أخيه منذ عام مضى بسبب المتعهد القديم وسوء حالة «مرسى المراكب»، الأمر الذى دفعهم لقطع الطريق أمام محافظة الجيزة، وقتها أمر المحافظ بإنشاء كوبرى للمشاة، الأمر الذى لم يتم حتى الآن، فقرر الرجل منذ هذه اللحظة أن يطور الخدمة المقدمة لسكان الجزيرة: «بس للأسف ولا حمد ولا شكرانية» يقول رأفت، سوء حالة العبارة وتأخرها عن المواعيد هو الأمر الذى ينكره: «حالة العبارة تمام بدليل إنى خدت تراخيص من الوحدة النهرية بسلامة المعدات»، عنف الحملة التى يقودها ضده أهالى الجزيرة يرجعها رأفت إلى «مسئولين كبار فى وزارة النقل مستفيدين من المتعهد القديم»، الرجل ينفى تماماً عدم صلاحية المعدات قائلاً: «طلعت عبدالوهاب رئيس هيئة النقل النهرى الحالى مزور ومرتشى وهو سبب تقليب الأهالى عليا»، صاحب المشروع رفع دعاوى قضائية بالتزوير وتلقى رشاوى ضد المهندس طلعت الذى يحاول «قطع عيشه» كما يزعم، الحقيبة التى يحملها معه أينما ذهب ممتلئة بالأوراق التى يزعم أنها تدين كلا من «المرسى محمد الحلو رئيس الإدارة المركزية ومدير مكتب وزير النقل، والمستشار أحمد عبدالرحيم جودة، والمهندس طلعت عبدالوهاب»، حال الخدمة المقدمة للناس الذى يصفهم رأفت «بأهالىّ» لا ترضيه ولكن «ما باليد حيلة، مفيش حد سايبنى أطور حاجة، وبيحاربونى عشان عايز أخدم الناس»، علاقته بالمهندس محمود عامر القيادى الإخوانى لا تتعدى كونها خصومة: «أنا كنت نازل قصاده فى مجلس الشعب عن دورة 2011، إزاى بقى هيساعدنى». فى خلفية المشهد تقف أربع مداخن تابعة لشركة الكهرباء يتصاعد من جوفها أبخرة بيضاء يزعم الأهالى أنها تحمل لهم «سماً» مع الهواء، فمعاناة الأهالى لا تتوقف على وسيلة نقلهم فحسب بل تمتد إلى ظروف المعيشة كلها، عدم وجود «مواسير صرف صحى» يدفع الأهالى إلى صرف المياه فى النيل مباشرة: «إحنا بنشرب من مية النيل وبنرجع له تانى، عشان منبقاش مديونين للنيل بحاجة»، يقول عبدالمنعم جمال أحد سكان الجزيرة واصفاً مشهد صرف المخلفات البشرية، ف«سيارة الكسح» تبدأ رحلتها اليومية من أمام المنازل التى تم ملء «طرانشاتها» بمياه الصرف، تشفط العربية التى تعتمد على «الحمار» فى تسييرها المياه، وبعد أن يمتلئ الخزان تتوجه مباشرة إلى النيل لإفراغ محتواها، وهلم جرا، تقطع السيارة عدداً كبيراً من الرحلات فى اليوم يقدر ب«40» رحلة، «الخير كتير فى الطرانشات»، يقول الشاب العشرينى ساخراً، تثير الفعلة غضب الأهالى ويزداد شعورهم بالذنب يوماً بعد يوم: «عشان بنضر ناس كتير»، ولكنهم لا يجدون البديل: «بعتنا 100 شكوى، وكانوا بيرفضوا يعملوا خدمات فى الجزيرة وبيقولوا المحميات الطبيعية ملهاش خدمات»، استعانوا بمنظمة الصحة العالمية منذ عدة سنوات للضغط على الحكومة، فجاء الأطباء وقاموا بتحليل المياه وأصدروا تقريرا بالموقف: «خدمات الصرف الصحى صفر، وأمان مياه الشرب 17%»، يتعجب الأهالى من صمت الحكومة وإغفالها لهم بعد ثورة أطاحت برؤوس الفساد: «الظاهر إن الثورة شالت ناس فاسدة وجابت ناس أفسد» يقول عبدالمنعم كلماته الأخيرة ويرحل فى هدوء. تحمل سيدة «جردلاً» من البلاستيك وتتجه إلى النهر العظيم، تقوم بإفراغ محتوياته من القمامة فى المياه: «معندناش مكان نحط فيه زبالة، ولما (الطرنش) بيتملى ساعات بشيل مية الصرف على دماغى وبرميها فى البحر»! معاناة «أم إبراهيم» لا تتوقف عند القمامة والصرف، ف«رغيف الخبز» أصبح مشكلة عويصة تقضى من أجلها الساعات: «معندناش ولا فرن بلدى فى الجزيرة رغم إن احنا كتير»، الأمر الذى يدفعها للذهاب يوميا إلى «دمنهورشبرا الخيمة» لتجد «رغيف العيش أبوشلن». شكاوى السيدات الجالسات على صفحة شريان الحياة فى مصر لا تتوقف، فبينما تجلس «عبير» على قطعة من الصخر على شاطئ الجزيرة، تقول: «إحنا بنغسل المواعين هنا، آه بنحس بالذنب بس معنديش مية فى البيت»، السيدة العشرينية المتزوجة حديثا لا توجد مياه للشرب فى بيتها، ولذلك تضطر إلى الذهاب لشبرا الخيمة للحصول على مياه نقية: «عشان أشرب شوية ميه بروح أجيبهم فى 3 ساعات، حرام ده ولا حلال؟». فى مشهد سريالى يجوب «جمل» محمل بالبضائع أراضى جزيرة الوراق، فالاعتماد على الحيوانات كوسيلة نقل ومواصلات أمر لم تنسه الجزيرة بعدُ رغم دخولها القرن الواحد والعشرين: «العربيات مش بترضى تيجى هنا عشان مفيش طريق غير العبارة» يقول سيد إبراهيم أحمد، منذ ما يقل عن 3 أسابيع حاولت «سيارة لورى» العبور إلى الجزيرة، الأمر الذى تسبب فى مأساة عند محاولتها صعود العبارة غرقت فى المياه: «اللورى وقع فى المية عشان باب الوابور مستحملهاش، صاحب اللورى لطم على وشه والإنقاذ النهرى طلع العربيه بعد 3 أيام»، يقول سيد الذى يصر على أن الجزيرة تعانى من الإهمال المتعمد: «عشان يحولوها منتجع للناس اللى فوق»!