لا يوجد بين القواعد الدولية لعمل لجان تقصى الحقائق ما يعرف بتسريب وتداول معلومات من أعضاء باللجنة وحجب أخرى لهدف تهيئة الرأى العام لتقبل توجهات محددة حتى ولو لم يقم عليها دليل جدى. ولا يوجد بين القواعد ما يمكن اعتباره حق الأعضاء فى إعلان بعض جوانب التقرير باعتبار ذلك توجيها للرأى العام لناحية معينة، وإخفاء لحقائق أخرى عن ناظريه، وانحيازا لرأى وموقف محدد وهو منهج لا ينبغى تبنيه فى هذا النوع من اللجان. لا يوجد بين القواعد الدولية لعمل لجان تقصى الحقائق استخدام مصطلحات اليقين والحقيقة على الوقائع والأحداث التى يرصدها الباحثون، ولا إضفاء صفة اليقينية على ما يرصده هؤلاء سواء فى التحليل أو المستخلصات والنتائج. لا يوجد بين القواعد الصادرة من الاتحاد الدولى للمحامين فى شأن لجان تقصى الحقائق تجاهل الحكومة وردودها على محتوى تقرير اللجنة، وإعلانه دون تضمين ردودها أو النص على رفضها التعامل مع اللجنة أو الاستجابة لطلباتها، إلا إذا اعتبرت اللجنة أن مندوبى الداخلية ووزارة الدفاع فى اللجنة يمثلان الحكومة. لا يوجد بين قواعد تشكيل هذا النوع من اللجان ضم أعضاء منحازين بأفكارهم وآرائهم وعقائدهم ضد الطرف الآخر، كون ذلك يمثل تشكيكا فى إجراءات التحقيق والتحقق من المعلومات، ويشكك فى منهجية عمل اللجنة ومرجعيتها الأساسية. عمل لجان تقصى الحقائق ينصب على جمع المعلومات والإجابة عن أسئلة ذات صلة بموضوع البحث، والوصول إلى استنتاجات من الوقائع ورصد إفادات المبحوثين من كل الأطراف وتحليلها وتقييمها وتحديد المستخلصات وبلورة رؤية قائمة على تصور منهجى للتحقيق وإحالته لجهات التحقيق الرسمية. اللافت أن بعض أعضاء اللجنة خرجوا علينا عبر وسائل إعلام محددة بتصريحات نارية من عينة أدلة جديدة فى قضية الجمل، مستخدمين تعبيرات اليقين والحسم والحقيقة فى توصيف ما انتهت له اللجنة من أعمال، ناسين أو متناسين أن اللجنة لا تحسم وليس من مهمتها الحسم وإلا فلماذا الإحالة لجهات التحقيق!! ما أخشاه أن يكون ذلك التقرير «الخفى» حتى الآن أداة سياسية طيعة فى يد السلطة وجماعة الإخوان وأدواتها لاستخدامه فى مواجهة خصوم الجماعة ودولة الإخوان، وأن يتحول من تقرير تقصى حقائق إلى موجة أعاصير للتصفية السياسية قبل الانتخابات المقبلة أو على الأقل لإساءة سمعة بعض المعارضين. كل ما سبق ليس أكثر من ملاحظات على الشكل الذى يثير الشبهات حول التقرير وأغراضه، فقد انتظرت ما يزيد على الأسبوع لإعلان التقرير ومناقشة مضمونه، غير أن توقعاتى خابت، ويبدو أنها ستخيب أيضاً فى المستقبل. تقرير تقصى حقائق لا يعرفه الرأى العام ويناقشه هو تقرير وهمى ولهو خفى فى يد سلطة فاشية وحاكم مستبد.