فى زيه الأبيض المهيب المزركش بخيوط الذهب والفضة، راح البابا يساعد شمامسة وأساقفة الكنيسة فى ليلة الميلاد، يتلو آيات من الإنجيل، وسط خشوع الحضور وأصوات أجراس تحتفل بذكرى ميلاد المسيح. 50 يوما مضت منذ اعتلائه الكرسى الإكليريكى الأهم، كرسى مارمرقس الرسولى، قسماته قسمات مصرى خالص، مصرى داع للمحبة، وبابا باحث عن لم الشمل، طيلسانه ورداؤه البابويان سيمكنانه من الإمساك بدفة السفينة الأرثوذكسية، إلى دور وطنى لا تلتاث معه السفينة. صيدلانى، يصنع من السم دواء، بكأس مصنوعة من صفحات إنجيل المحبة، يؤمن «صبحى باقى» بالقدر الذى اختاره منذ يوم ميلاده ليصبح بابا الكنيسة الأرثوذكسية بعد 117 من البابوات المتنيحين، فى مرحلة حساسة فى تاريخ الوطن والكنيسة، قدر البابا تواضروس الثانى أن يجلس على الكرسى البابوى فى وقت حساس، فاضت دموعه يوم التجليس فى نوفمبر الماضى. 50 يوماً أحدث فيها تواضروس الثانى تغييرات كثيرة بكنيسة مارمرقس، عمد فيها إلى إعادة هيكلة إدارتها، دون حاجب، فتح بابه أمام شعب الكنيسة ليل نهار، سعى لتأسيس نظم إدارية تواكب التغييرات الجديدة وتوسعات الكنيسة فى جميع دول العالم، وقام خلال تلك الفترة بدراسة ملفات الكنيسة الداخلية لحل مشاكل الأقباط، وأولى أهمية لمشكلة الأساقفة المستبعدين فى عهد البابا شنودة الثالث، كما بحث عن وسيلة لتكوين مجلس كنائس مصرى يوحد الأقباط فى مصر. 50 يوما أعطى تواضروس خلالها «ما لقيصر لقيصر وما لله لله»، باعد بين شأن الكنيسة الروحى وشأن السياسة الزمنى، مؤكداً ابتعاد الكنيسة عن السياسة، وأن مواقف الكنيسة وطنية وإنسانية وليست سياسية. تفرض بعض الملفات السياسية نفسها أحيانا عليه، أهمها: الجمعية التأسيسية للدستور، وإصدار الدستور الجديد، انسحب من «التأسيسية».. برأيه، لم يحصل القبط من هذا الدستور على الكثير بل همّشهم فى المواقع السياسية سواء بمؤسسة الرئاسة أو الحكومة، لكن لم يمنعه هذا التهميش من أن يدعو للرئيس والمسئولين بالحكمة فى إدارة الدولة، ويشدد على رفضه تقسيم مصر، ويدعو الأقباط للاستقامة ومقابلة الشر بالخير. 50 يوماً من البابوية من المسئولية ومواجهة مشكلات الأقباط بالكنيسة والدولة، لكنه لم يفقد ابتسامته المصرية، ولم يغلق فيها قلبه بوجه أحدهم، ولم ييأس من الدعوة للمّ الشمل بين المصريين، ومن التبشير بالفرح والاستقرار والدعوة للبناء والسلام مع بداية عام جديد، تكمل فيه ثورة 25 يناير عامها الثانى، ويرى تلك الفترة مدة كافية كمرحلة انتقالية لتبدأ بعدها عملية البناء.