خلف صندوق خشبي، مخصص لتلميع الأحذية، يجلس قطب عبدالعليم، عجوزا في الستين من عمره، يقتات من توزيع الابتسامات وملاحقة أحذية المارة، راضيا بقليل الحياة، في سعيه خلف قوت يومه مع أسرته الصغيرة. مشاكله مع زوجته أودت بعلاقتهما إلى الطلاق واحتضان الأم لطفلتهما، مع وعود مريرة من صهره، أنه سيعيد إليه ابنته إذا ما إذا تزوجت طليقته من آخر، إلا أن الوعود المدهونة عسلا، ذهبت أدراج الرياح حتى كبرت الإبنة واشتد عودها ونضج وعيها دون أن تعلم عن أبيها شيئا. شعر عبدالعليم حينها بمرارة الأيام وقسوة الدنيا، بعدما فرقته عن فلذة كبده، ليجلس بعدها بميدان العتبة بعدما حصل على دبلومة في كهرباء السيارات، عقب قيامه بسفريات متعاقبة إلى ليبيا عمل خلالها "نجار مسلح"، لم تكن خلالها المسيرة عذبة كما كان يتخيل، فعاد إلى مصر خالي الوفاض، ليتعلم مهنة جديدة وهي "العزف" على صندوقه الخشبي. "لما شاءت الظروف واتحطيت في مواجهة مع الحياة كنت عايز اشتغل معرفتش غير إني أعمل صندوق ورنيش، واشتغلت بيه بدل ما أمد إيدي للناس"، كلمات أوضح بها الرجل الستيني ما آلت إليه الأوضاع معه، مضيفا أنه يجلس بميدان العتبة، منذ ما يقرب من 7 سنوات، قبل نهاية حكم الرئيس الأسبق حسني مبارك وحتى الآن. مر عبدالعليم بمراحل عديدة، قبل أن تصل في نهايتها للجلوس بميدان العتبة، يقول: "في البداية لقيت واحد زميلي اسمه مصطفى، وهو مات دلوقتي وكان قاعد في التحرير ومنه اتعلمت ازاي أعمل الصبغة والورنيش"، يستطرد قائلا "زي ما كان بيحصل في الجيش إننا كنا بندهن الأحذية بتاعتنا وكنا بنهتم بنفسنا ولكن ده غير الحياة المدنية، لأنه ممكن يكون واقف معاك زبون وبعد شوية يجيلك زبون ثالث ورابع". يتذكر الرجل المسن ما كانت عليه حياته من قبل وما وصلت إليه في الوقت الراهن، يقول بعدما تذكر الأيام الخوالي التي شهدت شبابه "أيام ماكنا شباب كنا بنلبس وكنت أول واحد ينزل الموضة بني سويف، والشبان في بني سويف كانوا بيلبسوا الموضة بعد مني بس النصيب بقي"، إلا أنه كان للقدر تدخل آخر، إذ جمعه عمله بأحد أصدقائه القدامي عندما حضر لتلميع حذائه، الأمر الذي لم يشغله كثيرا أو هكذا أراد أن يوضح "قابلت واحد صاحبي قبل كده واقف على الصندوق بتاعي بس ماتكسفتش وهو ساعتها إتفاجئ أو مش متوقع اني بشتغل المهنة دي، ودي مهنة تشرف والحمد لله". يوضح عبدالعليم أن أزمته الحالية تتلخص في سعيه للحصول على سكن حتى يحيا ما بقى من حياته بكرامة، يقول "أنا ليا معاش كبار سن وحاولت وروحت وعملت كل المحاولات علشان أخد معاش كبار السن ماعرفتش"، مضيفا "قالولي أنك لازم يبقي عندك محل سكن أو عقد إيجار، أنا بشتغل على الرصيف ده وبنام جوه في الجنينة". لا يفقه الرجل الستيني كثيرا عن السياسة، يقول "أنا عمري ماانتخبت رئيس دولة ولا حتى السيسي، بس نزلت علشان انتخب الدستور لأني لقيت بند بيقول إن الواحد لو مش قادر يجيب لنفسه سكن الدولة هتديله سكن"، إلا أن وعود الدولة للفقراء والمهمشين في الدستور الجديد لم تحقق حلم عبدالعليم في سكن خاص به حتى الآن، "آخر ما زهقت قولت والله، ما هعمل حاجة لو اتحلت من ربنا، ولو ماتحلتش مش مشكلة".