سياق أى موضوع هو بناء متكامل ومترابط يؤسس لطبيعة العلاقات الزمانية والمكانية له ولروابط الأجزاء ببعضها ودلالاتها المختلفة.. والصور حكايات وحواديت وذكريات وأشياء أخرى. وفبركتها أمر خطير، لكن فبركة سياقها أمر أخطر بكثير.. فى مصر يتم «تركيب» الصور على سياقات مختلقة ل «شيطنة» أو «أيقنة» شخص ما.. ناهيك عن عبث مقارنة صور العصر الملكى بعصور أخرى، أو صور المناطق الفقيرة بالغنية (من الممكن أن أقارن لك بين صور قمامة باريس وبين شارع نظيف فى موريتانيا مثلاً للوصول لنتائج يمكن بسهولة وصفها بالساذجة). الأزمة تنشأ من كوننا لا نعرف من الصورة -بشكل مباشر- أين التُقطت ومتى حدث ذلك، كما لا يمكن فى كل الأحوال عمل استنباط دقيق لطبيعة العلاقة بين أطراف الصورة؛ فالناس مثلاً يميلون للابتسام عند التصوير فيما يبقى ما فى القلب فى القلب، حتى لو كان مَن بالصورة أعداء.. ويتزايد الوضع ارتباكاً إذا التُقطت الصورة دون دراية من أطرافها، فهذه فرصة ذهبية لفبركة سياقات جديدة وهمية، أو التقاط حركة عفوية وتقديمها بمدلولات جديدة. يناير الماضى، وفى هوجة فيديو «الواقى الذكرى» والشرطة، الذى أنتجه الشابان «أحمد وشادى»، تم نشر صورة ل«شادى» قيل إنها له وهو مصاب ب«خرطوش الشرطة»، كمبرر لما فعله فى الفيديو.. والحقيقة أن صورته تلك، التى تمت المتاجرة بها فى سوق الثورية، منزوعة من سياقها لأنها التقطت له عقب إصابته من أفراد جماعة الإخوان أمام قصر الاتحادية (أرشيف الأخبار موجود وروايته هو نفسه للواقعة موجودة)، ومع ذلك -منطقياً- فإن هذا لا يمنع احتمالية كونه قد تعرض يوماً ما لبطش أفراد من الشرطة فى وقائع أخرى، وهذا أيضاً قد لا يكون مبرراً لإنتاجه للفيديو، كما لا ينفى أن الشرطة تجاوزت وتتجاوز مع آخرين غيره، لكنه أيضاً يؤكد أن نزع الصور من السياق هو أنجح طرق النصب الآن. ولأن هذه لعبة يلعبها اثنان، فقد انتفض المعسكر المضاد ونشر صورة الشخص نفسه «شادى» فى ميدان التحرير مع الأخ «إيلان تشايم جرابيل» الذى قيل إبان الثورة إنه جاسوس إسرائيلى. تكرر الأمر الشهر الماضى مع الممثلة «ميريهان حسن»، التى تعرضت لاعتداء من أحد ضباط الشرطة، فنشطت عمليات استخدام الصور بأن تم نشر صورة لها وهى ترتدى «فستاناً» فى إحدى المناسبات، واعتبر هذا، لدى تيار من الناس، مبرراً كافياً للاعتداء عليها! قبلها بعام، كانت صور بطلة واقعة المطار «ياسمين النرش»، وهى -أعوذ بالله- فى المصيف مع صديقاتها تنتشر على نطاق واسع لإدانتها شعبياً (وكأن التصييف عيب أو يدل فى ذاته على سلوك مشين). فى عالم السياسة، يحدث هذا كثيراً، فصورة «د. محمد البرادعى» وهو يصافح «أريئيل شارون»، رئيس الوزراء الإسرائيلى الأسبق، يتم تصديرها أحياناً كدليل على «لاوطنية» البرادعى، بينما أُخذت تلك الصورة فى فعالية رسمية، وكان بطلها مديراً للوكالة الدولية للطاقة الذرية. وكما نعلم، فقد جرت العادة أن يصافح الناس بعضهم حين يتقابلون! تنتشر صورة سياسية أخرى ل«حمدين صباحى» مع «كمال الشاذلى» تحت قبة البرلمان، وقد كانا -لا سمح الله- يتحدثان (وكأنه كان يتعين على حمدين أن يقول للشاذلى «مخاصمك يا شرير متكلمنيش!»). قصة تداول الصور بأثر رجعى لا بد أن تنتهى لأنه أمر «غبى» و«أحمق».. ونحن نفعل هذا طوال الوقت.. توقفوا عن عبث فبركة سياق الصور. امتنعوا عن صناعة اللامنطق.