جلس إلى جوار زوجته يشاهد شاشة التلفاز، لم يكن باستطاعته أن يتصل تليفونيًا بابنه ليطمئن عليه، حيث كانت شبكات المحمول معطلة، جلس يقلب القنوات في لحظات ترقب من أولاده الصغار، تتفحص نظراتهم الشاشة، يقول الأب بفزع:"يانهار أبيض .. شوفتوا العربية هرست الواد إزاي". لم يكن يعلم والد إسلام رأفت أن ابنه هو الذي تحطمت عظامه تحت عجلات السيارة الدبلوماسية في شارع القصر العيني. هاجس من الخوف تسلل إلى قلب الأخ الأصغر، الذي طلب من والده أن ينزل للبحث عن أخيه وسط هذه الأحداث الدموية. نزل الأب يجوب الشوارع بحثًا عن ابنه البكر، يذهب إلى بيوت أصدقائه فلربما يكون أحدهم قد شاهده، إلى أن أخبره أحدهم أن ابنه كان معهم في شارع القصر العيني يهتف مع من هتف "سلمية سلمية"، لكن هذه الهتافات لم ترحم هذا الشاب الذي تحطمت عظامه بفعل عجلات السيارة الدبلوماسية. ضاقت الأرض بما رحبت في وجه الرجل، كيف سيخبر والدته؟ وماذا سيقول لابنه الأصغر الذي استعجله في البحث عن أخيه الأكبر، عاد الأب ، والدموع تغمر وجهه من هول المشهد، وما إن وصل البيت حتى فضحته دموعه، لينفطر قلب الأم على ولدها، تتمنى لو يعود بها الزمن لتقبله قبلة الوداع. توسمت الأسرة خيرًا بعدما أعلن عمر سليمان تخلي مبارك عن الحكم في مصر تحت ضغط المظاهرات التي هزت أركان البلاد، تسلل إليهم الأمل في أن يتم الانتقام ممن قتل ابنهما. واعتبر الوالد أن القصاص للدماء التي سالت طوال أيام الثورة من البديهيات التي لاتقبل جدالا، تمر الأيام والأمر باق كما هو. يرقد ابنه في قبره، بينما ينعم مبارك بترف الحياة داخل المستشفى. مما يذكره عن ابنه أنه انتهى من صلاة المغرب بشارع جانبي على مقربة من ميدان التحرير يوم جمعة الغضب، مشى برفقة أصدقائه بشارع القصر العيني، لكن سيارة بيضاء تحمل أرقام هيئة دبلوماسية، هاجمتهم على غرة منهم، ليسقط إسلام رأفت، طالب الثانوية العامة شهيدًا. يقول:"من ساعة شفيق ما ظهر على الساحة، والفلول بدأت ترجع تاني، قلبي حاسس إن قضية مبارك "هيطرمخ" عليها، زي ماحصل في قضية ابني، بقالها سنة ونص في درج المحكمة، ومحدش طلبني لأى جلسة، وقالوا لنا:"انتظروا محاكمة مبارك، هي اللي هتحدد". ينتظر والد أسامة هذه المحاكمة بفارغ الصبر، متمنيًا أن يرى القصاص العادل الذي يتمثل في "إعدام مبارك، ونجليه جمال وعلاء، وأولاد العادلي والشاعر". يتابع "عشان يحسوا بالكوية اللى احنا فيها"، يستزيد:"مش منتظرين حقنا في الدنيا، هنأخده في الآخرة".