الدعوة إلى الحب وتبادل الأحضان وارد أن نسمعها ختام جلسة صلح أسرية، أو فى «قعدة صفا» بين متخاصمين، تصالحا لتوهما، أما أن تصدر عن رئيس جمهورية، فى سياق حديث عن أزمات وتحديات كبرى، ويجعل منها أساساً لمواجهة تلك الصعاب، فهو أمر لا شك مثير للجدل، يستدعى من الذاكرة نفس الدعوات التى ارتبطت فى أذهان المصريين بالهزل، أكثر منها ارتباطاً بالجد، وبالرومانسية و«الهزار» أحياناً أكثر منها ارتباطاً بالواقع ومصاعبه. حتى قول الرئيس عن «الحب والحضن» لم يكن مستقلاً، بل طالته مسحة التبعية، فمن قبله قال مؤسس جماعة الإخوان المسلمين: «سنحارب الناس بالحب». بعض رواد الإنترنت علقوا على هذا الترابط بتحريف أغنية عبدالحليم حافظ «بأمر الحب» إلى «و(نهضة) مسكتها بإيدى وكانت فى الفضا بعيدة.. و(قرار) فى الليل متوهنى.. و(جماعة) بعيد بتندهلى.. بأمر الحب». وصرخ آخرون، من فرط غيظهم فى تعليقات أخرى قالوا فيها: «ليس بالحب والحضن وحده يحيا المواطن المصرى». فهل عندما دعا الرئيس إلى الحب كان كمن جاء يُكحلها فعماها؟ وبأى «جيل حب» تأثر الرئيس الذى قال إن «مشكلة العدالة الاجتماعية تُحل بالحب»؟ هل بجيل «عبدالوهاب»، الذى تلخصه عبارة «عشق الجسد فانٍ»، أم بجيل اللمبى «الحب الحب، الشوق الشوق»، أم أن ثقافته عن الحب سمعية فقط؟ وأيهما كان الأكثر تأثيراً فى حياته: كمال عبدالجواد بعشقه المثالى حتى الشهادة، أم سوما العاشق؟ ما بين أفلام الستينات ودراما القرن ال21، تنوعت أشكال «الحب والحضن»، وتغيرت ألفاظه ومعانيه فى السينما المصرية. محمد عبدالوهاب كان نموذجاً للرومانسية بكل هدوئها، فقبض على قيثارته عازفاً، فى فيلم «غزل البنات»، وغنى بمنتهى الرقة: «وابيع روحى فدا روحى وأنا راضى بحرمانى.. وعشق الروح مالوش آخر لكن عشق الجسد فانى». وبين أروقة «قصر الشوق» يبرز كمال عبدالجواد (نور الشريف) الشاب المثقف بعقله، المفرط فى رومانسيته، يجلس منزوياً راضخاً أمام الفتاة الأرستقراطية (ماجدة الخطيب)، يحدثها فى الحب تارة وفى العشق تارة أخرى، إلا أنها تجعله يكفر بالمبادئ، ليجد مخرجاً من علاقته وعشقه فى جملة دنس بها الزواج وترفع بالعاطفة «الذين يحبون فوق العادة لا يتزوجون»، ينهدم «قصر الشوق» ويتحول إلى «السراب» حيث يعجز نور الشريف عن الحب أو حتى إقامة علاقة جنسية واحدة بسبب عقدة نفسية أصابته منذ أن كان صغيراً عندما وقع متلبساً فى حضن خادمة البيت أمام مرأى من أعين أمه التى أنالته «علقة سخنة». وبعد عشرات السنوات، جلس المسطول دائماً «اللمبى» الذى باغت حبيبته وصارحها، فى تلك الجلسة الجلية على كورنيش النيل، بأن أفضى لها ما بداخله من أشواق قائلا: «حبيبتى كل حاجة تهون طالما إحنا لسه مع بعض.. المشاعر هيا اللى هترجعنا تانى صدقينى.. إمبارح كتبت عصيدة شعر فيكى لازم تسمعيها.. إنتى يا بت.. عاملة إيه؟ البوس البوس.. الحضن الحضن.. مشتاق مشتاق.. الشوق الشوق.. ود يا ود.. . ول يا ول.. حالو يا حالو.. من طرف أخوكى اللمبى». يرفس بيديه يميناً ويساراً، ويشد شعره، والدموع تنهمر من عينيه، فهو «حساس الجيل» أو كما تُطلق عليه الجماهير «سوما العاشق». يدخل غرفة نومه الوحيدة، فيجد فتاته الشريدة وقد خانته البعيدة مع أقرب أقربائه «عمو حسام»، ورغم ذلك يوجه رسالة إلى الجماهير العريضة: «بحبكو كلكو». كررها اللمبى العاشق، وغردها من قبله «العندليب»: «بأمر الحب.. اسمع يا حياة قلبى ندا قلبى»، فى الوقت الذى يتغزل فيه الشاعر عبدالعزيز جويدة: «أنا الحاكم بأمر الله.. أنا واللهِ مأساتى.. لأنى قد عَرَفتُ الحب.. وأقسمُ إن لى قلباً.. من الأشواقِ يرتجف.. غريبٌ فى بلادِ الحب.. أثورُ فيهربُ الناسُ.. كحِملانٍ تَهابُ الذئب.. ومهما قيلَ عن بطشى.. وأعذارٍ من الناسِ.. أراها مثلَ شماعة.. لأن الناسَ تعرفُنى.. بأنى أقبضُ الروحَ.. وأنى أعلمُ الساعة.. فإن بداخلى طفلاً.. لهُ دوماً.. علىَّ السمعُ والطاعة». الأخبار المتعلقة: العاشق.. «لم يعد هناك سلطان إلا للحب» د. هاشم بحرى يحلل: الأحضان بدلاً من الخطط يحب «جماعتين» ويهجر الثالثة