أتاح اليوتيوب للأفراد حرية واسعة لمشاهدة مقاطع الفيديو التى يرغبون فيها، والتعليق عليها، ونشرها عبر وسائل الاتصال الاجتماعى، لكن هذه الحرية ليست مطلقة، فثمة إكراهات وقيود ناعمة، منها سياسة الموقع، وسرعة الإنترنت وتكلفته، والوقت المطلوب لمشاهدة كل مقطع، وأرقام المشاهدة والتعليقات. أثبتت دراسات عديدة أن المقاطع المليونية تغرى المستخدمين بمشاهدتها، بغض النظر عن قيمة المحتوى، الذى تلعب فيه الصورة دور البطل، وبشكل عام فإن اليوتيوب هو عالم الصور المتحركة والرموز الحية، والذكريات والأحلام، وهو التجسيد الأحدث للثقافة الشعبية المعولمة، فقد شاهد المستخدمون عبر العالم 4 مليارات ساعة شهرياً عام 2012. وتصدرت أغنية كورية ترتيب أكثر مقاطع الفيديو مشاهدة، أما عربياً فقد بلغ عدد المستخدمين 260 مليوناً، وجاءت أغنية «زهقانة» للطفلة البحرينية حلا الترك (17 مليوناً) فى المرتبة الأولى، تليها بفارق كبير أغنية «حقى برقبتى» من فيلم مصرى (11 مليوناً). الأرقام التى أعلنها يوتيوب عن استخدام العرب خلال 2012 تحتاج لدراسات مبتكرة فى الإعلام والاجتماع، حتى يمكن فهم التغير فى الشخصية العربية وكيفية تفاعلها مع وسائل الاتصال الاجتماعى، سواء يوتيوب أو تويتر أو فيس بوك. لكن هذه الأرقام لها وجهان: الأول معلن ويكشف عن تجاهل الثقافة الجادة لصالح ثقافة الاستهلاك، وتهميش السياسة لصالح المواد الترفيهية، فالغناء والرقص يتصدران اليوتيوب، ربما لأن دول الربيع العربى لم تتصدر قائمة الأكثر استخداماً، حيث حلت السعودية فى المرتبة الأولى والإمارات فى المركز الرابع، ما قد يفسر جزئياً تصدر أغنية «زهقانة» قائمة أكثر المقاطع مشاهدة. مصر ذات الثقل السكانى جاءت بعد السعودية فى عالم اليوتيوب، ما يؤكد أن الدخل والتعليم لهما الدور الأكبر فى تحديد إمكانية استخدام اليوتيوب وبقية وسائل الإعلام الاجتماعى، أيضاً يأتى جمهور هذه الوسائل من الأصغر عمراً بين العرب، خاصة الشباب، وأغلب هؤلاء يتوافر لديهم الوقت والمعرفة والمهارات اللازمة لاستعمال وسائط الإعلام الجديد. وبشكل عام، تراجع السياسة على اليوتيوب وتقدم المواد الترفيهية الخليجية، ليس جديدا، فأغلب العرب ومنذ ظهور اليوتيوب يستخدمونه للتسلية، ومطاردة المشاهد الجنسية الساخنة واللقطات الغريبة، وقليل منهم يستخدمونه للبحث عن المعلومات وتلقى دروس دينية، ما يعنى حاجتنا لتعريف الشباب بأهمية اليوتيوب كوسيط مهم للتعليم والتثقيف الذاتى، وهنا تبرز أهمية إنتاج محتوى عربى تعليمى مناسب. أما الوجه الثانى، غير المعلن والمسكوت عنه فى أرقام موقع يوتيوب، فهو إجمالى مشاهد مقاطع الفيديو السياسية أو الترفيهية، لأنه من المحتمل ألا يأتى مقطع فيديو سياسى فى الترتيب الأول، لكن مجمل المشاهدات لمقاطع سياسية أو دينية قد تغير النتائج، إذن مطلوب من يوتيوب استحداث آلية دقيقة ترصد عدد مشاهدات مجالات محددة، مثل إجمالى الموضوعات السياسية أو الفنية، بدلاً من مجرد إحصاء مقطع فيديو فى مجال معين بشكل منفرد، ولا شك أننا عند الإحصاء المجمع للموضوعات سنواجه بمشكلة دقة التصنيف ومعاييره، لكن فى الأخير سنصل لصورة أدق وأعم عن استخدامات العرب لليوتيوب، وقد تأتى الصورة بنتائج مغايرة، خاصة أن شباب الربيع العربى من بين نشطاء الشبكات الاجتماعية، وهنا قد نضيف بعد الفعالية السياسية والاجتماعية التى تختلف كثيراً عن التلقى السلبى لمقطع فيديو «زهقانة»!