مرسى أم شفيق؟ الإخوان الذين تلاعبوا بكل القوى الثورية وبالمجلس العسكرى وأفتوا بانعدام شرعية الميدان بعد الانتخابات التشريعية، أم رئيس وزراء مبارك الذى أسقطته الميادين بعد أن تلوثت يداه بدماء الشهداء. ضع نفسك مكان الدكتور أحمد حرارة الذى فقد إحدى عينيه عندما كان شفيق رئيساً للوزراء.. وفقد العين الأخرى عندما كان مرسى وحزبه وجماعته يجاهرون بأن الموجودين فى ميدان التحرير ليسوا من الثوار، وإنما هم بلطجية وعدميون يريدون فرض رؤاهم القاصرة على الملايين الذين منحوا أصواتهم للإخوان والسلفيين فى الانتخابات البرلمانية، ضع نفسك مكان هذا المناضل النبيل وحاول الاختيار بين مرسى وشفيق!. من الذى قادنا إلى هذه الثنائية القاتلة؟ وإلى متى سنظل أسرى خيارات، كل منها أشد مرارة من الآخر، وأكثر خطراً على حاضر ومستقبل البلد من الآخر؟. البعض يتصور أن خيار المقاطعة يمثل حلاً مريحاً فى مثل هذه الأحوال.. ولكن هذا الخيار يصب فى مصلحة قطبى المنافسة القاتلة: الإخوان ونظام مبارك، إذ أنه يمنح كلاً منهما فرصة التركيز فى حشد أنصاره الذين لا يحتاجون إلى ضمانات وطنية لكى يمنحوا أصواتهم لهذا أو ذاك.. بل إن كل فريق منهما على استعداد لأن يجود بنصف ما يملك فى سبيل اعتلاء مرشحه لكرسى الرئاسة، والضمان الوحيد لإلزام كل مرشح باحترام مطالب الثورة والعمل على تحقيقها هو أن يشعر بالاحتياج الشديد إلى أصوات الملايين الذين لا ينتمون إلى جماعته أو حزبه أو «فلوله»، وأن يتعهد بتنفيذ كل المطالب الوطنية العادلة والمشروعة إذا اختارته هذه الملايين لهذا المنصب الخطير، وعلى هذا الأساس تمثل المقاطعة حلاً مريحاً للإخوان لأنها ستمنحهم مزيداً من الصلف فى التعامل مع كل القوى التى قاطعت الانتخابات، ولن يسمحوا لأحد بأن يطالبهم بما يراه صحيحاً طالما أنه اختار أن يعزل نفسه عن أن يكون شريكاً فى الانتخابات، والحال كذلك بالنسبة للفريق أحمد شفيق الذى يستند إلى قاعدة عريضة من رجال الأعمال وموظفى المحليات والمديرين الكبار فى شركات قطاع الأعمال، ظلوا لشهور طويلة يراقبون المشهد وهم يرتعدون من مجىء ساعة الحساب، وإذا بهم فجأة يجدون أنفسهم قاب قوس واحد من العودة لقمة السلطة، والاستقرار فى جنة الفساد. هناك فريق آخر يراهن على خيار رابع بعيداً عن مرسى وشفيق والمقاطعة، هو خيار العودة للميادين واستئناف الثورة حتى تقتلع كل رموز النظام السابق، وقد بادر الآلاف فعلاً باختيار هذا الطريق وعادوا - ومعهم خالد على - إلى ميدان التحرير ليلة أمس الأول، وهو خيار تضاءلت فرصه فى النجاح؛ لأننا أصبحنا أمام مهمة اقتلاع النظام السابق، ونظام الإخوان معاً، وهى مهمة قد تؤدى وبأقصى سرعة إلى تخريب البلد، وتمهيد الطريق أمام حكم عسكرى فاشى. كل الخيارات المطروحة إذن تقودنا إلى مصائر محفوفة بالمخاطر.. ولعل أوجع وأعنف هذه المخاطر هى أن يستولى اليأس على الجميع، وأن تتفشى العدمية فى كل بيت وشارع وقرية ومدينة، فنصحو على التحقق الشيطانى لسيناريو الفوضى الأمريكية الخلاقة، ألا تشعرون أنه يحلق فوق رؤوسنا مثل وحش كاسر؟!.