نحن الآن فى رحاب دراسة شديدة الأهمية، ولعلها الدراسة الأولى الأكثر تفصيلاً فى هذا الصدد. وصاحبة الدراسة الدكتورة بدرة قعلول، وهى أكاديمية تونسية تعمل فى المركز الدولى للدراسات الاستراتيجية الأمنية والعسكرية بتونس. والدراسة، على طولها (14 فولسكاب)، تمتلك فى كل سطر من سطورها معلومة مهمة أو فكرة أو تحليلاً أو تبريراً لتحوّل المرأة إلى إرهابية. وفى التقديم نقرأ: «إن ظاهرة الجهاديات بدأت فى إفريقيا ثم تكثفت فى الشرق الأوسط، بحيث أصبح تجنيد المرأة فى صفوف (الجهاديات) يمثل استراتيجية لبناء مستقبل لمجتمع إرهابى متكامل وأيضاً لسهولة تنفيذها لعمليات إرهابية». ونمضى مع التقرير لنقرأ: بدأت ظاهرة النساء الجهاديات فى أفريقيا ثم تزايدت فى الشرق الأوسط بحيث أصبح اشتراكهن فى المعارك استراتيجية ترسم مستقبل الإرهاب المتأسلم، خاصة بعد المشاركة فى مثل هذه العمليات بكافة أشكالها بحيث اعتبرتها الصورة التى تعيد إليها ثقتها وتجعلها تحس بأنها تستطيع التأثير على الأحداث من حولها وتحوّلها من امرأة قابعة فى بيت تتلقى فيه الأوامر إلى عنصر لاعب ومؤثر. وقد استغل فكر هذه التيارات المتطرفة هذه النظرة للمرأة وسهّلت عليهم مهمتها فى استدراجها وجعلها أداة من أدواتهم. وقد تكون طبيعة مجتمعاتنا التى تعتبر المرأة عنصراً بعيداً عن الشبهات وغير فعال فى الأدوار العامة وخاصة الدور الذى يتطلب منها المجازفة وركوب المخاطر شجعت الجماعات الإرهابية على استقطاب النساء للمشاركة فى تنفيذ عمليات انتحارية أو عمليات استخباراتية أو رصد أهداف للقيام بعمليات إرهابية، وفى مهام أخرى تقدم فيها لعناصر المجموعة خدمات جنسية اتخذت تسميات مختلفة. وفى الكثير من الأحيان تم استخدامها للترويج للفكر الإرهابى فى محيطها وبين أقاربها وأهلها وزميلاتها فى العمل، وإذا كانت المرأة ناشطة على الإنترنت يتم توجيهها لتبث فكر الجماعة على مواقع التواصل الاجتماعى وتستخدم خبراتها واطلاعها فى الدعاية لأفكار منظميها. أيضاً ساهمت المرأة المنتمية إلى هذه الجماعات فى تقديم خدمة كبرى هى جمع الأموال واستغلال سذاجة بعض النساء وحبهن لأعمال الخير، خاصة إذا كانت الأموال ستقدم إلى يتيم أو أرملة أو صاحب ضائقة مالية. أما الفكرة التى يتم من خلالها استدراج المرأة فى الأعمال المتطرفة غير الثواب والأجر، فهى التكفير عن الذنوب والتوبة إلى الله وجعل هذه المساهمات التى تقدمها للحركات الإرهابية هى الطريق إلى محو الذنوب والفوز بالآخرة. وتتجلى خطورة هذا الاستغلال للمرأة على المجتمع فى دورها فى جذب الرجال إلى الانضمام إلى تلك الجماعات، فوجود المرأة يُعد بمثابة الحاضنة لذلك الفكر بحكم تأثرها السريع وقوة غريزة الأنوثة فى التأثير على الرجال. ولكن ما دوافع المرأة للانخراط داخل التنظيمات الإرهابية؟ - أغلب المنخرطات لديهن الهروب من واقعهن والبحث عن الذات. - ضعف الشخصية والميل إلى ممارسة السلطة، ملامح الشخصية المضطربة نفسانياً واجتماعياً. - وجود نزعة العنف والتعذيب والانتقام. - ضعف التحصيل العلمى والمعرفى. - صغر السن وسهولة التأثير، وخاصة عند المراهقات. - أغلب المنخرطات يأتين عبر الإنترنت. - العنوسة. وبعد ذلك تحدثنا الدكتورة قعلول عن دوافع التنظيمات الإرهابية لتجنيد المرأة فتقول: «تغيرت استراتيجية التنظيمات الإرهابية مع عنصر المرأة، ففى السابق أعلن الظواهرى أنه لا مكان للمرأة داخل التنظيم، وخاصة ميدانياً، لأن لها مهام فى الصفوف الخلفية ومهام تقليدية لا غير، أما مع داعش فقد أصبح الحديث علناً عن المرأة المجاهدة وأدوارها داخل التنظيم. فتنظيم داعش يعى جيداً أهمية دور المرأة فى الفعل الإرهابى لأسباب عدة منها: - الوصول للمرأة ووسائل تجنيدها أقل كُلفة من تجنيد الرجل. - المرأة أكثر تحقيقاً لعمليات ذات نتائج فادحة التأثير. ونلاحظ أن دور المرأة إرهابياً يعنى تزايد نسبة تجنيد المرأة التى تمثل نصف المجتمع بأضعاف ما يحققه تجنيد رجل لجماعة إرهابية، فى ظل خصوصية المرأة وسهولة تحركها وتخفيها بسبب ثقافة وعادات مجتمعاتنا، والتى تجد فيها المرأة من الإمكانات والخيارات الأكثر تعدداً للوصول بها إلى الأهداف أكثر من الرجل. فالنساء يسهمن فى تجنيد غيرهن من النساء، وحتى للرجال والشباب فإن قيام المرأة بالدعوة للجهاد فى سبيل الله ونصرة الدين هى أكثر تأثيراً من خلال استثارة رمزية الرجولة والشجاعة والجرأة. وعبر شبكات التواصل الاجتماعى ومع ازدياد التقدم التكنولوجى وتطور وسائل الإعلام أصبحت المرأة عاملاً مهماً لدى التنظيمات الإرهابية الأكثر قدرة على الترويج لنفسها وجذب الانتباه، فاتبعت استراتيجية النساء الانتحاريات وتصوير فيديوهات لهن قبل التفجير وترويجه إلى وسائل الإعلام بأكبر قدر ممكن، مما يجذب أكبر قدر ممكن من التعاطف وكسر الصورة النمطية لهذه التنظيمات، وبذلك تصبح المرأة أداة قوية فى الدعاية، خاصة مع اهتمام وسائل الإعلام بالنساء أكثر من الرجال. هذا بالإضافة إلى الأدوار التى تلعبها الإرهابيات فى إطار التنظيم نفسه. فعندما يغادر الرجال «للغزوات» فإن هناك من النساء من يتولين حفظ الأمن والسهر على استقرار النظام فى الأحياء ومنهن الشرطة النسائية التى تتولى كل قضايا النساء وتجاوزاتهن. كذلك تُستخدم المرأة فى مجال العلاج الطبى وفق النسق الفكرى المتأسلم، فالمرأة لا يكشف عليها إلا المرأة، وكذلك المساهمة فى التعليم الشرعى للمرأة فالمرأة تُدرس المرأة وذلك لمنع الاختلاط، وكذلك لإعطاء صورة جديدة للتنظيم وبأنه لا يجهّل المرأة بل يسعى لتعليم المرأة حسب الشرائع الدينية. ورغم أن أيمن الظواهرى كان فى البداية ضد اشتراك المرأة فى أى عمليات إرهابية، ففى 2001 صرّح بأن المرأة لا تدخل فى العمل العسكرى للتنظيم، فإنه وفى سنة 2005 تم الاعتراف لأول مرة من قبَل تنظيم القاعدة باستخدام النساء كانتحاريات من جانب أبومصعب الزرقاوى زعيم تنظيم القاعدة فى العراق. ورغم ذلك ما زالت «القاعدة» تتحفظ على اشتراك المرأة فى العمل المسلح. بشكل واضح فى رسالة مفتوحة موجهة للنساء فى تنظيم القاعدة قيل فيها: «نحن لا نريد منكِ الدخول إلى ساحة المعركة أو الدخول إلى الصراع الدائر، نحن نريد منكِ فقط محاكاة أسلافنا الإناث أتباع النبى محمد فى الحث على الجهاد، والاستعداد له، والصبر عليه، والمشاركة العاطفية من أجل انتصار الإسلام». ولكن بسبب ضغوط العمل العسكرى والحاجة إلى النساء فيه للاستفادة من وضعهن فقد سُمح لهن بأن يلعبن دوراً بارزاً جداً للتنظيم، بل ويُعتبر هذا الدور سمة أساسية للقاعدة، وقد سلط يوسف آل أيرى، أول أمير للقاعدة فى جزيرة العرب، الضوء على أهمية دور المرأة فى المنظمة، وكتب رسالة مفتوحة بعنوان «دور المرأة فى الجهاد ضد العدو»، وقال فيها إن المرأة إذا كانت مقتنعة بشىء، فلابد أن نقتنع بأنه أكبر مصدر للقوة للرجل «الجهادى». ونواصل رحلتنا مع إرهابيات التأسلم فى القاعدة وداعش.