أعلن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء مؤخرا عن ارتفاع نسبة السكان الذين يقعون تحت خط الفقر فى مصر لتصل إلى 2ر25% من السكان فى عام 2010/2011 مقابل 6ر21% فى عام 2008/2009. وأوضح الجهاز أنه قام باحتساب تلك المعدلات من واقع بيانات بحث الدخل والإنفاق والاستهلاك، وهو البحث الذي يقوم بإجرائه دوريا ويحرص على التأكيد بأنه "المصدر الوحيد لقياس جميع مؤشرات الفقر في مصر وخصائص الفقراء وتوزيعهم الجغرافى". ونبادر إلى القول بأن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء قد تحرج فيما يبدو من نشر الصورة الكاملة لمعدلات الفقر فى مصر. فالجهاز يعر ِّف الفقر بأنه عدم القدرة على توفير الحد الأدنى من الاحتياجات الأساسية للفرد/ الأسرة. وبأن هذه الاحتياجات الأساسية تتمثل في الطعام والمسكن والملابس وخدمات التعليم والصحة، ويرى أن خط الفقر (مستوى الإنفاق) الذي يفى بتلك التكلفة في مصر هو 334 جنيها للفرد شهريا! إلا أن الجهاز يلوذ بالصمت عند هذا الحد ولا يذكر على الإطلاق كم هى نسبة السكان التي تقع تحت خط الفقر المشار إليه، علما بأنهم قد مثلوا نحو 43% من السكان فى عام 2008/2009 طبقا لبيانات بحث الدخل والإنفاق والاستهلاك ومستويات الأسعار السائدة فى ذلك العام. فلتخفيض الرقم الخاص بمعدلات الفقر فى مصر يعمد الجهاز عند حساب نسبة السكان الفقراء إلى تبنى مستوى لخط الفقر لايتجاوز 256 جنيها ويذكر أن من يقعون أدناه هم 2ر25% من السكان. ويعلم الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء بكل تأكيد أنه هنا لا يتحدث عن كل الفقراء، ولكن عن الشريحة "الأكثر فقرا" بينهم والتى يصفها بأنها الشريحة التى "اضطرت للتغاضي عن جزء من الإنفاق على الغذاء حتى تتمكن من تغطية نفقات غير غذائية تجد نفسها غير قادرة على الاستغناء عنها". والواقع أنه سواء تم تحديد خط الفقر عند 256 جنيها أو 334 جنيها فإن الحديث عن أى علاقة بين تلك الأرقام والوفاء بالحد الأدنى للحاجات الأساسية للمواطن المصرى هو ضرب من العبث. والأنكى من كل ذلك أن التصريحات المتواترة بشأن مشروع القانون الجديد للضرائب على الدخل تبشرنا بأنها ستأخذ بمبدأ الضرائب التصاعدية تحقيقا للعدالة الاجتماعية. وتأكيدا لتلك العدالة فإن القانون الجديد سيستمر فى إعفاء الدخول التى تقل عن 5000 جنيه سنويا كما يستمر فى إعفاء دخول العاملين بالقطاع الحكومى بواقع 9000 جنيه سنويا، أما ما يزيد عن تلك الحدود فتفرض عليه ضرائب تصاعدية بنسب تبدأ من 10% . وعلى الرغم من صعوبة فهم السبب في التفرقة بين المواطنين "العاديين" والمواطنين الذين يعملون فى القطاع الحكومي، فإن تلك "البشرى" تعنى أن أي مواطن يتجاوز دخله الشهرى 6ر416 جنيها شهريا وأي موظف في القطاع الحكومي يزيد دخله الشهري عن 750 جنيها عليه أن يدفع ضرائب بنسبة 10% كحد أدنى. وكيف لنا أن نحتج إذا كان الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء يرى أن الفقير هو من يقل إنفاقه الشهرى عن 256 جنيها بواقع 3072 جنيها سنويا؟. وفقا لهذا المنطق يتعين علينا أن نعترف بكرم الحكومة التى تدلل المواطن المصرى ولا تحمله أى ضرائب إلا بعد أن تظهر عليه علامات الثراء ويزيد دخله عن 5000 جنيه سنويا. يقول المثل إذا لم تستح فافعل ما شئت. الواضح أن الحكومة لا تستحى... ولكن عليها أن تعرف أن الشعب الذى خرج يطالب بالعيش والعدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية لن يسمح لها بأن تفعل ما تشاء.