اعتبر الكاتب الأمريكي الشهير "توماس فريدمان" أن المناظرة التلفزيونية الثالثة والأخيرة بين مرشحى انتخابات الرئاسة الأمريكية -الرئيس الديمقراطي الحالي باراك أوباما وغريمه الجمهوري ميت رومني، والتي تركزت على السياسة الخارجية تحت عنوان "أمريكا والشرق الأوسط" تقدم ما وصفه بأنه "تناقضات مفيدة" تظهر سر النجاح الأمريكي. ورأى فريدمان - في مقال نشرته صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية اليوم الأربعاء وأوردته على موقعها الإلكتروني- أن بعضا من هذه التناقضات ظهر بدءا من بداية هذه الحملة: كالتباين بين درجة عالية من التعددية الأمريكية، والثقة التي تؤتي ثمارها في البلاد، فضلا عن الغياب شبه الكلي لهذه الثقة في منطقة الشرق الأوسط، المنطقة الأكثر إرباكا والمرجح أن تكون بمثابة القنبلة الموقوتة للرئيس القادم. ولفت إلى حالة الصراع الدائرة حاليا في شتى أنحاء منطقة الشرق الأوسط التي تشهد الآن أعدادا هائلة من القتلى بين الطوائف المختلفة، مشيرا إلى أن غياب التعددية وانتشار نهج "الحكم أو الموت" هو الاتجاه السياسي المهيمن في المنطقة العربية اليوم. ولفت فريدمان إلى أنه في ظل غياب الثقة من المستحيل بناء دولة حديثة أو اقتصاد مبتكر، مشيرا إلى أن التعددية الراديكالية هى بمثابة الأساس التي تقوم عليه أمريكا وهو سر نجاحها. وشدد فريدمان على أن سياسات أوباما المحلية والشرق أوسطية كانت الأفضل على الإطلاق، حيث ساعد على بقاء البلاد في جو آمن، وحاول ابقاء البلاد بعيدة عن خوض أى معارك أخرى، موضحا أن أوباما لم يكن أسطورة ولكنه في الوقت نفسه لم يكن بالغ السوء. وتابع: كما وضع أوباما حدا للنزيف الاقتصادى الذي شهدته أمريكا مؤخرا، وبدأ بإجراء بعض الإصلاحات الذكية في الطاقة والتعليم والصحة - والتي ستؤتي ثمارها في المستقبل وحينها سندرك مدى فعاليتهاالحقيقة، مشيرا إلى أنه بالنظر إلى ما ارتكبه الرئيس الأمريكي السابق جورج دبليو بوش في حق أمريكا وقت توليه الرئاسة، تعد هذه الإنجازات بمثابة طوق النجاة هناك. ومع ذلك، حذر فريدمان من أن أمريكا لا تستطيع التعايش في فترة أخرى من الجمود الحزبي،وذلك بالنظر إلى أن العالم يتجه نحو انهيار نظام الدولة الأوروبية الذي يتجاوز الحدود الوطنية، بالإضافة إلى انهيار نظام الدولة القومية العربية، جنبا إلى جنب مع التغيرات المناخية. وأوضح أن كل ما سبق يقع في نطاق الترابط العالمي بمعنى أن أى تجاهل لأي من هذه المشاكل التي تشكل خطرا ولكنها في الوقت نفسه معقدة لدرجة أنها تتطلب تعاونا شاملا وهائلا لإصلاحها، من شأنه أن يعصف بالعالم أجمع، مؤكدا أن أى دولة تجد نفسها في هذا الوضع، يتعين عليها بناء ما سماه ب"المرونة". وأعرب فريدمان عن حاجة الأمريكيين الشديدة إلى رئيس من شأنه أن يمكنهم من السيطرة على مصيرهم وأن يلعب دورا حيويا في استقرار العالم الذي يحتاج منهم الى التضامن معه لحل مشاكله، الأمر الذي يتكشف عنه فرق آخر بين أمريكا والشرق الأوسط. ومضى فريدمان يقول: إننا لا نعرف كيفية إصلاح مشاكل منطقة الشرق الأوسط حتى الآن، ولكن إصلاح المشاكل الأمريكية وعلى المدى القصير يمكن أن يأتي من خلال الاستثمار في التعليم والبنية التحتية والبحوث -التي تعد مصادر قوتنا لتحفيز النمو - وفي الوقت ذاته، وضع خطة طويلة الأجل لخفض الإنفاق ورفع وإصلاح الضرائب كي يشهد الاقتصاد الأمريكي تحسنا. واختتم الكاتب الأمريكي توماس فريدمان مقاله مشددا على الحاجة لنهج جديد يسير الأمريكيون على خطاه ويتضمن في محتواه المرونة ولا يؤدى بهم إلى الضعف وزعزعة الاستقرار، منوها الى أن هذا الأمر سيتطلب رئيسا جديدا لا يتعامل فقط مع رياح الرأى العام، بل يجرؤ على المبادرة إلى التصدى للمشاكل التي تعصف بالبلاد، الأمر الذي سيحتاج أيضا إلى ناخبين لديهم الاستعداد للتقييم والمطالبة بمثل هذه القيادة.