لا أعرف هل هي منحة فطرية أو عبقرية الهية تلك التي حبى بها يحيى الفخراني أما إنها حرفية لممثل يتقن أدواره و يرغب في إخراج أفضل ما عنده لجمهوره. فالفخراني مازال يصر دائما على أن يخرج بروائعه وأعماله من قائمة المنافسة الرمضانية التقليدية على شاشات التلفزيون إلى مساحات أخرى بعيدة حتما عن كل ما يقدم على هذه الشاشات. "الفخراني" هذا العام قدم مثالا رائعا لكيفية أن يكون العمل الفني رسالة بكل ما فيه ومن فيه تقدم للعالم تحمل اسمى معاني الإيمان وأرقى آيات الفن في آن واحد . الخواجة عبد القادر ادهشنا ومنذ الحلقة الأولى التي تسرى فيها حلقات المسلسل بدا الطابع التاريخي غالب وقدر البعض اننا سنكون أمام ما قد يشير إلى تكرار مأساة المرسى والبحار للفخراني لكن تتابع الحلقات جعل الكل يصم عينيه وآذانه عن أي تحليل الا ليتابع ما الذىي يفعله الخواجة عبدالقادر حلقة تلو الأخرى . الخواجة عبد القادر قدم معاني عميقة نحن في أمس الحاجة اليها في جمل وربما كلمات وربما نظرات وربما خطوات وربما ضحكات بدون أن يقول لنا افتحوا الكتب واكتبوا ورائي ، قدم لنا تعليما ساميا يسكن النفس و يستريح في القلب و يبقى في العقل. الخواجة عبد القادر أيقظ في نفوسنا شعلة من الأمل وبصيص من الضوء ، تسلل في هدوء و خفة و صفاء إلى نقاط داخلنا تشغلنا هموم الحياة ومتاعبها دائما عن رؤيتها ، الإيمان و الإسلام في أبسط معانيه وارق مكوناته. الخواجة عبد القادر علمنا في أنه لا مشكلة في أن يصلي الخواجة البريطاني الأبيض خلف فضل الله السوداني الأسود اللون لا القلب ، الخواجة علمنا أنه من الممكن أن يتعلم الصلاة والقرآن من الطفل كمال ولا يتعلمه من شيخ الجامع الناطق بلسان السلطة الشيخ منصور ، الخواجة عبد القادر عملنا أن الحب لله وفي الله وبالله يمكن أن يجمع قلبين مهما اختلفت الألسنة والمجتمعات طالما أن القلوب اجتمعت فلا يمكن أن تتفرق لا بالسلطان ولا بالظروف الخواجة علمنا أن الإسلام يسكن القلوب ويدخل العقول في آن واحد فلا فرق بين عربي ولا أعجمي إلا بالتقوى. الخواجة عبد القادر علمنا أن الحب فقط جوهر الحياة وأن الحب يمكن أن يجمع الناس من كل لون وفعل ومكان مهما اختلفت قلوبهم وأشكالهم ومهما بلغت معاصيهم وذنوبهم . لا أعرف كيف أحصي ما قدمه الفخراني في رائعته الخواجة عبد القادر ، هل هي قصيدة منصور بن الحلاج التي اهداها عمر خيرت موسيقاه فراحت تتردد في اسماعنا و قلوبنا في آن واحد أم هل هي روح الخواجة الذي يسعى لتعلم الدين بأبسط ما فيه ، وبأرقى معانيه ويجهد نفسه لكي يعرف ماذا يقول هذا الدين ولكي يحفظ القرآن بعدما بلغ من العمر أرذله. الخواجة عبد القادر يعلمنا أن الأمل قد أتى من أقصى لحظات اليأس وأن الإنسان قادر على المستحيل لو أراد هذا . ويعلمنا أن الجسد يصلح طالما صلت الروح ، الخواجة أخبرنا أن الإيمان موحد بين القلوب. الخواجة عبد القادر علمنا أن المعجزات قد تحدث . وأن القلوب التي يشيع فيها الإيمان قادرة على تخطي حواجز الزمان والمكان والحدود وحتى الفارق بين الأحياء والأموات . لا ادرى ماذا أقول للخواجة عبد القادر غير كلمة "شكرا" والتي لا تسع معاني أيقظها داخل نفسي وتألقت في روحي .و لا أستطيع إلا أن أقول أيضا شكرا لكل من ساهم في العمل شكرا شادي الفخراني على الإخراج ، عبدالرحيم كمال نص وقصة ، سلاف معمار وباقي الممثلين على الأداء والاتقان. تعليق صغير : قال الناقد طارق الشناوى في لقاء مع الاعلامية منى الشاذلي أن هذا الموسم الرمضاني هناك منافسة عائلية فكل ممثل من عمالقة التمثيل أحضر أفضل ذخيرته على الشاشة " عادل إمام قادم بمسلسل يضم ابنه مخرجا وابنه الثاني ممثلا ، محمود عبد العزيز ابنه منتج لمسلسله ، يحيى الفخراني ابنه مخرج لمسلسله " وقال الشناوي أن هذا العام سيشهد منافسة غير مسبوقة بين الثلاثة على وجه الخصوص لمعرفة من تفوق ؟ ...اعتقد ان السؤال الآن لا يحتاج إلى جواب .