إثنتان وسبعون عاماً هى رصيد "الشيخ عبدالفتاح الشعشاعى" فى الحياة فقد ولد بمركز أشمون بالمنوفية فى 30 مارس 1890، وتوفى بالقاهرة فى 11 نوفمبر 1962. إذن بالمعنى الزمنى، وبطريقة أدائه المميزة، يعد "الشعشاعى" أحد رواد القراءة فى العصر الحديث، فقد إشتهر فى سن مبكرة فذاع اسمه قبل أن يكمل عامة السادس عشر. فقد منحه الله حنجرة قوية يسمعها القاصى والدانى، إذا تحرك لسانه بنطق الآيات طفى الصوت على المكان، وأمتلئت الأرجاء بعبير الإصغاء. كان الشيخ إذن - صاحب صوت جهورى، ومع ذلك كان ممتلئ بالحلاوة والطلاوة والعذوبة كأنه نهر تميد بعمق قارة كأنه النيل وكأنه الفرات وكأنه المسيسبى وكأنه كل نهر، هكذا كان التنوع هو سر هذا الصوت القوى وكان فيه القدرة على جذب أكبر عدد من الجمهور. كان قارئ الصفوة، فقد تلى القرآن فى مأتم الملوك ومنها الملك فؤاد عام 1936 وقد شاركه فى القراءة فى هذه الليلة أساطين التلاوة وقتها وهم المشايخ محمد رفعت ومحمد الصيفى وعلى محمود، وفى عام 1950 أحى الشيخ مأتم "الملكة عالية" ملكة العراق..... فى بداية حياته كان يعتقد الشيخ "عبدالفتاح الشعشاعى أن قراءة القرآن فى مكبرات الصوت وفى الإذاعة حرام ، لذا ظل لفترة طويلة - خاصة فى مراحلة المبكرة - يتلو القرآن بدون هذا الأشياء فقد كان يرى أن القراءة المستحبة هى التى تكون بدون وسيط. وظل على هذا المبدأ حتى طرق بابه - ذات يوم - سعيد لطفى" مدير الإذاعة المصرية وقتها وهو يحمل فى جيبه ورقة مكتوب فيها فتوى من شيخ الأزهر وقتها "الأحمدى الظاهرى" تفيد بأن القراءة فى الإذاعة حلال ومباحة. وقد داول أن يرفض الشيخ ولكنه أقتنع بكلام "لطفى"، أخبره - ساعتها - أن أجرة سيكون خمسمائة جنية فى السنة، وهو مبلغ كبير بمنطق ذلك الزمان، وكان الشيخ الشعشاعى بذلك أعلى المقرئين أجراً فى الإذاعة المصرية. وإشتهر "الشيخ الشعشاعى" بالورع وأعتبر أن قارئ القرآن هة أحد حراس القيم فى المجتمع، لذا حين دعى ليقرآ القرآن فى القصر الملكى عام 1943، وجد أن الملك فاروق يدمن الخمر فى رمضان، فقرر أن لا يقرأ فى مثل هذه الأجواء مرة أخرى، وحين وجهت إليه الدعوة فى العام التالى رفض رفضاً شديداً تاركاً كل اللإغراءات المادية والمعنوية، وأعتذر لرئيس الديوان بأنه لن يقرأ مرة ثانية فى قصر عابدين. وهكذا عاش "الشيخ الشعشاعى" ملتزما بالمبادئ، وبالعادات ومحافظاً على التقاليد التى تربى عليها فى الريف المصرى، متحصناً بروح استمدت قوتها من حفظها لكتاب الله. استمع الي التلاوة المباركة