"خمسين سنة حملت المرأة على أكتافي وقاتلت من أجلها وفي سبيل قضيتها لكنها في عز المعركة تركتني وذهبت إلى الكوافير" تلك المقولة التي غرد بها شاعر الرومانسية والحب والمرأة "نزار قباني" ساخراً من عادات المرأة التي لم ولن تتغير وأن ذهابها للكوافير أهم من قضيتها وحريتها، "قباني" الذي نحتفي بذكرى رحيله ال17، اليوم، ذلك الشاعر الذي قالوا عنه أنه "أحد آباء القصيدة اليومية، وأنه أذاق العرب صنوفاً من التقريظ جامعا بين جلد الذات وجلد الحكام، في طريقة ناجعة للتنفيس عن الغضب والألم". "الرسم بالكلمات" هذا ما استخدمه قباني في جميع قصائده، ربما لأنه كان يحب الرسم منذ صغره، وكان يقول أنه وجد نفسه غارقا في بحر من الألوان، فمنزله في دمشق كان به أغلب أصناف الزروع الشامية من ريحان وياسمين ونعناع ونارنج، بالإضافة إلى أنه بدأ بكونه خطاطاً تتلمذ على يد خطاط يدوي ثم اتجه للرسم، ومن بعدها شغف بالموسيقى وتعلم على يد أستاذ خاص للعزف والتلحين على ألة العود،لكنّ الدراسة خصوصًا خلال المرحلة الثانوية، جعلته يعتكف عنها. ثُمّ رسى بالنهاية على الشعر، وراح يحفظ أشعار عمر بن أبي ربيعة، وجميل بثينة، وطرفة ابن العبد، وقيس بن الملوح، متتلمذاً على يدِ الشاعر خليل مردم بِك وقد علّمه أصول النحو والصرف والبديع، ولهذا قدم قصائد ساقها بالموسيقى والرومانسية والألوان المتنوعة يصف من خلالها أشكال الحب والغرام يصور كل زوايا فؤاده. كما أن قصائده السياسية كانت دائماً ينتقد فيها العرب وينادي بصحوتهم، حتى أن شعره عن المرأة المقهورة في المجتمع العربي اعتبره البعض كلام غير مباشر عن الأوضاع السياسية وعن الحرية بإسلوب الرمز كغيره من الأدباء في تلك الفترة، مثلاً قوله " فكيف أفرق بين حرارة جسدك أنت وبين حرارة أرض بلادي" وذلك في قصيدة "ملاحظات في زمن الحب والحرب". "المرأة " كانت عشق قباني، فأخذ يكتب عنها طيلة حياته ويدافع عنها مناصراً قضيتها يصارع من أجل تحقيق ذاتها وعدم دمور أنوثتها، ونجد أن قصة شقيقته التي انتحرت بعد أن أجبرها أهلها على الزواج من رجل لم تكن تحبه، هي التي تركت أثراً عميقاً في نفسه وساعدت في صياغة فلسفته في العشق والحب التي صاغها في مقولة "إن الحب في العالم العربي سجين وأن أريد تحريره". تزوج قباني مرتين، الأولى كانت ابنة خاله التى تدعى "زهراء آقبيق" والذي أنجب منها هدباء وتوفيق ،وقد جاء زواجه بها عندما لمع نجمه في الساحة الشعرية واشتهر، وبدأت تنهمر عليه رسائل المعجبات وكانت زهراء "سيدة بيت" نمت وترعرعت في بيئة اجتماعية محافظة تقليدية، فأخذت نار الغيرة تمزقها ،ولم تستطع تحمل هذا الكم من المعجبات ونشبت الخلافات بينهما حتى تم الطلاق بينهما. "بلقيس الراوي" زوجته الثانية التي قابلها بالصدفة مغرداً "أشهد أن لا امرأة أتقنت اللعبة إلا أنت واحتملت حماقتيعشرة أعوام كما احتملت"، فقد شاهدها حينما كان يقدم أمسية شعرية ببغداد وقد أعجب بها بجنون، ومن ثم تقدم لخطبتها ولكن الأب والأسرة والقبيلة بأكملها لم توافق فكيف تطمئن على ابنتها مع شاعر تغزل في نساء العالم، وغادر نزار العراق خائباً مسافراً إلى أسبانيا لكنه لم ينساها بل كان تراوده في أحلامه واستمر يكتب إليها وهي تكتب إليه، حتى جاء عام 1969 فيقول عنه (في هذا العام ذهبت إلى بغداد بدعوة رسمية للاشتراك في مهرجان المربد.. وهناك ألقيت قصيدة من أجمل قصائدي كانت ((بلقيس الراوي)) بطلتها، وبعد هذه القصيدة التي هزت بغداد في تلك الفترة, تعاطفت الدولة والشعب العراقي مع نزار، وتم خطبة بلقيس من أبيها, وكان على رأس الوفد الحزبي الذي ذهب إلى بيت الراوي لطلب يدها، وزير الشباب الشاعر الأستاذ شفيق الكمالي ووكيل وزارة الخارجية الشاعر الأستاذ شاذل طاقة ليثبت بذلك مقولته "وهل يستطيع المتيم بالعشق أن يستقيلا" ولكن القدر يلعب لعبته ليصدمه مرة أخرى فلم تمر سوى أعوام قليلة حتى لقيت حتفها أثناء الحرب الأهلية اللبنانية في حادث انفجار السفارة العراقية في عام 1982،وقد رثاها نزار بقصيدته الشهيرة "بلقيس" حيث حكى فيها أن الجميع كان لهم دورٌ بقتلها، وقد أنجب منها ابنيه عمر وزينب ولم يتزوّج بعدها. تغنى له مطربي الوطن العربي، ونسجوا من أشعاره لوحة مرسومة بالغناء، فغنت أم كلثوم "رسالة عاجلة إليك"، وشدى العندليب الأسمر عبد الحليم حافظ "رسالة من تحت الماء، وقارئة الفنجان"، أما نجاة فقدمت "ماذا أقول له، متى ستعرف، أسألك الرحيلا"، وغنت له فيروز "لا تسألوني ما اسمه حبيبي"، وعزفت معه ماجدة الرومي ورسمت معه بصوتها قصائد " كلمات، مع الجريدة، طوق الياسمين"، أما أصالة غنت " أغضب"، ولطيفة قدمت "تلوموني الدنيا"، وكان الفنان العراقي كاظم الساهر هو من أشهر المطربين الذين تغنوا بأغاني نزار وعرفها وحفظها العالم من خلاله فشدا له "إني خيرتك فاختاري، زيديني عشقاً، مدرسة الحب، الحب المستحيل، واني أحبك، صباحك سكر، إلى تلميذة، كل عام وانتي حبيبتي وغيرها الكثير"، وقد منحه نزار لقب " قيصر الأغنية العربية".