مضى عام 2014 واستقبل العالم عام 2015 بالألعاب والمهرجانات والاحتفالات، ولكن في بقعة ما من الشرق يقبع الحزن والألم والموت والدمار والتهجير والنزوح والاعتقال والسجن والإعدام. إنها سوريا خلال عام 2014 حيث سقط خلال هذا العام قرابة 40 ألف قتيل خلال المواجهات وأعمال العنف التي تشهدها البلاد، ومازالت المواجهات تجري على أرض الشام ويُقتل العشرات بل المئات يوميا. ودع السوريون 4 آلاف طفل سقطوا خلال المواجهات خلال العام المنصرم، ولم تشفع لهم براءتهم وضعفهم لدى أطراف الصراع السوري، فقضوا نحبهم وسُفكت دمائهم الزكية على أرض الشام. قرابة 40 ألف قتيل وفي هذا السياق، وثقت الشبكة السورية لحقوق الإنسان مقتل 39021، قتل النظام وحده أكثر من 32 ألفا منهم، جلهم من المدنيين. وفي تفاصيل التقرير الذي نشرته الشبكة بمناسبة نهاية العام، فإن "قوات النظام قتلت ما لا يقل عن 32507 أشخاص، من بينهم 24430 مدنياً، و8077 مقاتلاً من المعارضة المسلحة، وكان بين المدنيين 3629 طفلاً، و3714 امرأة، لتصل نسبة القتلى من المدنيين 75 بالمائة، نسبة الأطفال والنساء منهم 30%". ولفتت الشبكة إلى أن "النظام استخدم طرقا عديدة للقتل، فإضافة إلى القصف بالطائرات والصواريخ والمدفعية، فقد قتل 32 مدنياً برصاص قناصة، و48 مدنيا باستخدام الذخائر العنقودية، في 92 مرة قصفت بها بهذا السلاح، من بينهم نساء وأطفال، كما قتل سوريون باستخدام الغازات السامة، فضلا عن استهداف الكوادر الطبية والإعلامية، وقتلى سقطوا جراء التعذيب". في المقابل، أشارت الشبكة إلى أن فصائل المعارضة المسلحة "ارتكبت العديد من الانتهاكات، تمثلت بقصف أحياء سكنية بشكل خاص عبر قذائف الهاون، حيث سجلت الشبكة مقتل 1257 شخصاً، وهم 1183 مدنيا، من بينهم 291 طفلاً، و242 امرأة، وإعلامي واحد، فيما قُتل 74 مقاتلاً خلال 2014"، وتسبب تلك الأحداث في نزوح آلاف السوريين طلبا للنجاة. 6 ملايين لاجئ وعن مأساة اللاجئين في سوريا خلال العام المنصرم فحدث ولا حرج، حيث تجاوز عدد النازحين 6 مليون نازح بين الداخل والخارج، وأعلنت المفوضية العليا للاجئين في بيان أواخر عام 2014 في مذكرة بأن عدده اللاجئين تخطى حاجز المليونين خارج سوريا في دول الجوار. وذكرت المفوضية التابعة للأمم المتحدة أن عدد هؤلاء اللاجئين في دول جوار سوريا قبل سنة بالتمام كان 230 ألفا و671 لاجئا انضم إليهم 1,8 مليون لاجئ جديد خلال الأشهر ال12 الأخيرة. وقال المفوض الأعلى للاجئين انطونيو غوتيريس في البيان إن "سوريا أصبحت مأساة هذا العصر الكبرى، كارثة إنسانية مشينة مع ما يواكبها من معاناة وعمليات تهجير لم يشهدها التاريخ الحديث". وتابع أن "العزاء الوحيد هو الإنسانية والأخوة اللتين تبديهما دول الجوار باستقبالها هذه الأعداد الطائلة من اللاجئين وإنقاذ حياتهم". وأوضحت مندوبة المفوضية العليا للاجئين انجلينا جولي أن "العالم يجازف بتغاضيه الخطير عن الكارثة الإنسانية السورية... وإذا استمر تدهور الوضع بهذه الوتيرة، سيزداد عدد اللاجئين ويمكن أن تصل بعض البلدان المجاورة الى نقطة اللاعودة". وأضافت جولي إن "العالم على خلاف مأساوي حيال طريقة وقف النزاع السوري، لكن يجب ألا يكون هناك أي تذمر من الحاجة إلى تخفيف الآلام البشرية، ولا أي شك على الإطلاق في مسؤولية العالم بذلك المزيد. علينا أن نساعد ملايين الأشخاص الأبرياء المطرودين من منازلهم وأن نزيد قدرة البلدان المجاورة على التعاطي مع هذا التدفق للاجئين". وكشفت المفوضية العليا للاجئين عن نزوج مليوني سوري مسجلين بصفة لاجئين أو في انتظار تسجيلهم، وبلغ بلغ عدد اللاجئين 110 آلاف في مصر، و168 ألفا في العراق، و515 ألفا في الأردن، و716 ألفا في لبنان، و460 ألفا في تركيا، وحوالي 52% من هؤلاء اللاجئين هم أطفال في السابعة عشرة من العمر أو ما دون، وأعلنت المفوضية العليا للاجئين أن عدد الأطفال بين اللاجئين السوريين تخطى المليون. وذكرت المفوضية العليا للاجئين أن حوالي 4,25 مليون شخص نزحوا في داخل سوريا، وفقا لإحصاءات تعود إلى 27 أغسطس الماضي، نشرها مكتب الأممالمتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية. وأشارت المفوضية إلى أن هذه الأرقام التي تتخطى بصورة إجمالية ستة ملايين مهجر داخليا وخارجيا، لا مثيل لها في أي بلد آخر، وهي أسوأ عملية نزوح وهجرة منذ الحرب العالمية الثانية، خوفا من القتل أو السجن والاعتقال في سجون الأسد أو الكتائب الأخرى المقاتلة. سجون ومعتقلات وعن أوضاع السجون والمعتقلات في سوريا خلال العام المنصرم، فحالها يدمي القلوب، حيث الاعتقال التعسفي، وانتهاك حقوق الإنسان وآدمية البشر في ظلمات وغياهب سجون سوريا. وأواخر العام الماضي نفذ مئات المعتقلين في سجن حمص المركزي إضرابا عن الطعام احتجاجا على احتجازهم على الرغم من انتهاء فترة الأحكام وعلى التعسف اللاحق بهم، بحسب ما أفاد المرصد السوري لحقوق الإنسان. وقال سجين رفض الكشف عن اسمه، متحدثا لوكالة "فرانس برس" عبر الهاتف من داخل السجن: "كل من في السجن، وعددهم أكثر من 1000 شخص، يشاركون في حملة إضراب عن الطعام". وأضاف: "نريد أن نعرف مصيرنا، ونطالب بالحرية. هناك أشخاص حكم عليهم بالسجن هنا لمدة 30 عاما لمجرد أنهم شاركوا في التظاهر السلمي، وآخرون سجنوا اعتباطيا". ويعتقل النظام السوري، بحسب منظمات عدة مدافعة عن حقوق الإنسان، عشرات آلاف الأشخاص، بعضهم لنشاطهم المعارض، وآخرون للاشتباه بأنهم معارضون للنظام، أو حتى بناء على وشاية كاذبة. ويتعرض المعتقلون في السجون والفروع والمقار الأمنية "لأساليب تعذيب وحشية"، تتسبب بحالات وفاة، أو الإصابة بأمراض مزمنة، تترافق مع حرمان من الغذاء والأدوية والعلاج اللازم، بحسب هذه المنظمات. ومن جهته، ذكر المرصد السوري لحقوق الإنسان أن بعض المعتقلين في سجن حمص "انتهت فترة محكومياتهم.. ولم يتم إخلاء سبيلهم إلى الآن من سلطات النظام بحجة ضياع ملفاتهم"، ومضى عام 2014 وحل عام 2015 وهم رهن الاعتقال. الكيماوي والولادات المشوهة كارثة إنسانية شهدتها سوريا خلال الأعوام السابقة وكانت على أشدها في عام 2014، نتيجة استخدام الأسلحة الكيماوية المحرمة دوليا، والتي تسببت في تشوهات الأجنة، وإجهاض الحوامل. وعلى الرغم من مرور عام وبضعة أشهر على مجزرة الكيمياوي التي ارتكبها النظام السوري بحق المدنيين في غوطتي دمشقالشرقية والغربية، فإن آثار هذه الجريمة مازالت تظهر في صور عديدة خلال العام الماضي. في 26 ديسمبر 2014، شهدت معضمية الشام إحدى مدن الريف الدمشقي التي استهدفها النظام السوري بالسلاح الكيمياوي، رابع ولادة لطفل مشوه خلقياً، حيث أجرى المكتب الطبي في المدينة عملية ولادة قيصرية لسيدة عاشت حصار المدينة وتعرضت للقصف الكيمياوي هي وزوجها، حيث أنجبت طفلها الذي خرج إلى الدنيا مشوهاً، والذي ما لبث أن فارق الحياة بعد ساعات من ولادته، بحسب اتحاد تنسيقيات الثورة السورية. وقد سجلت أيضا في المعضمية أكثر من 70 حالة إجهاض، جميعها كانت لأبوين تعرضا للمواد الكيمياوية التي قُصفت بها غوطتا دمشق من قبل قوات النظام السوري، والتي راح ضحيتها ما يزيد عن 1400 مدني. إنها سوريا، مأساة العالم في 2014، تروي حقيقة شعب خرج يطالب بالحرية، فقوبل بآلة البطش والقتل، الأمر الذي تسبب في خراب ودمار البلاد وتهجير أهلها. يأمل السوريون في العام الجديد أن تنتهي هذه الأزمة ويعودون بسلام إلى وطنهم، ويعم السلام أرجاء سوريا، وتنتهي تلك المأساة.