"من الصعب عليّ ان أحدّد شعوري منذ الآن عندما سأواجه أبناء شعبي في مكان يحتلّ مكانة خاصة في شعري وفي ذكرياتي، وهو مدينة حيفا. من الطبيعي أن يكون الشعور الأول الذي أحمله الآن هو شعور باللهفة، وشعور بالخشية أيضًا. تمتزج الخشية باللهفة لأن الزمن الذي فصلنا عن بعض زمن طويل، كبرتُ فيه بطريقة ما، وأبناء جيلي كبروا بطريقة ما، ونمت أجيال جديدة لم يحصل من قبل احتكاك بحساسيتها الشعرية. لذلك أنا ذاهب إلى ما يشبه المجهول الجميل. كيفَ سيكون اللقاء؟ كيف سيكون التعامل مع شعري الجديد الذي أحرص دائمًا على ان اقرأ منه ولا أكتفي بما تطالبني به ذاكرة قرّائي؟ أشعر كأني سأقرأ للمرة الأولى، وأني سأدخل امتحانًا عليّ أن أبذل كثيرًا من الاستعداد لعبوره بنجاح. أرجو أن تكون المسافة الجغرافية بيني وبين قرّاء الشعر الذين سألتقيهم في حيفا مسافةً وهمية، وان يكون التطابق كاملا بين ما أحسّ به وما يحسّون به، وبين حساسيتي الشعرية وحساسيتهم الشعرية.. بهذه الكلمات الممزوجة بالحنين الى"غرفة حيفا" التى ظل بها وحيداً لعشر سنوات عرف فيها شاعر الارض المحتلة محمود درويش انواع التجارب الأولى "تجربة الكتابة، تجربة النشر، تجربة العمل الصحفى، تجربة السجن، الاعتقال المنزلى والإقامة الجبرية" .. هذا ما قاله قبل وفاته بعام واحد فقط فى العام 2007 رداً على سؤال صحفى هو : كيف استقبلت دعوة "الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة" ومجلة "مشارف" الأدبية لأمسية شعرية في حيفا، وبأي شعور تتوجه الى الامسية والى حيفا؟. حتى أواخر الستينيات كان محمود درويش يعيشُ وحيدًا في غرفةٍ استأجرها في شارع عباس بحيفا، وكان محمود أَسِيرَ غرفتِهِ، بعد أن قام القائد العسكري الإسرائيلي لمنطقة الشَّمال، الجنرال دافيد اليعازر باعتقاله منزليًّا وتحديدِ إقامتهِ جبريًّا حتَّى الأول من فبراير من عام 1970. وجاء هذا التجديد في الأول من أكتوبر عام 1969، والذي يقضي بأن يخضعَ محمود لمراقبةِ الشرطةِ الإسرائيليةِ دائمًا، ولا يغادرُ حيفا إلى أيِّ مكانٍ آخر، وَيُثْبِتُ وُجُودَهُ في مركزِ الشرطةِ في السَّاعةِ الرابعةِ من عَصْرِ كُلِّ يومٍ، ولا يغادرُ مَنْزِلَهُ (غرفته) بعد غروبِ الشَّمْسِ بساعةٍ وحتَّى الفجرِ، بحيث تتمكَّن الشرطةُ من "تَفَقٌّدِهِ" في أيِّ وقتٍ تَشَاء. ولم تَلْبَثْ هذه الإقامةُ الجبريةُ، وهذا الاعتقال المنزليُّ، أن صار اعتقالاً في السادس والعشرين من أكتوبر 1969 ميلادية، إثر الانفجاراتِ التي وقعت في مدينةِ حيفا. فى مايو عام 1970 أغلق درويش حجرته تاركاً وطنه الأصغر ووطنه الأكبر مجبراً إلى موسكو، وظلت حيفا بوجوه من يعرفهم درويش وشخصياتها طوال الاربعة عقود بل وجغرافيتها فى الذاكرة وفى الوجدان متلهفاً للقاء بما تخزنه ذاكرته وبما سوف يفاجئه المكان به... واستكمل حديثه للصحيفه عنها قائلا :" لقد عشتُ في حيفا عشر سنوات كاملة، ترعرعت شخصيتي الشعرية والثقافية والسياسيّة فيها، وبالتالي أستطيع أن أعتبر أن أكثر مكان موجود في نصّي الشعري وفي تكويني الثقافي هو حيفا، بدون شك. صحيح أنني لم أولد في حيفا، وحيفا ليست مدينتي، لكنها مدينتي بالتبنّي؛ تبنيتُ حيفا مثلما احتضنتني هي كواحد من أبنائها. " نادم على ترك حيفا " إنني نادم على الخروج من حيفا، على الرغم من أن قرار خروجي لم يكن حراً. كان ينبغي أن أبقى في السجن هناك حتى لو كتبت شعراً ذا قيمة أقل». ويتحدث عن أمه حديثاً حزيناً، وعن أنها علّقت ذات يوم أو ذات مرحلة صور زوجاته ثم أنزلت الصور. وقد طالبته بأن ينجب طفلاً وأن يرسله إليها. فى ذكرة وفاته السادسه التى تمر علينا اليوم فى التاسع من اغسطس عام 2014 التى تحل علينا وسط حصار غزة هذه الايام ومقاومة المقاومة تتبقى لنا وثيقة إعلان الاستقلال الفلسطيني التى كتبها درويش و تم إعلانها في الجزائر. ولد درويش عام 1941 في قرية البروة وهي قرية فلسطينية تقع في الجليل قرب ساحل عكا.حيث كانت أسرته تملك أرضا هناك. خرجت الأسرة برفقة اللاجئين الفلسطينيين في العام 1947 إلى لبنان ،ثم عادت متسللة العام 1949 بعيد توقيع اتفاقيات السلام المؤقتة، لتجد القرية مهدومة وقد أقيم على أراضيها موشاف (قرية زراعية إسرائيلية)"أحيهود".وكيبوتس يسعور. فعاش مع عائلته في قرية الجديدة. توفي في الولاياتالمتحدةالأمريكية يوم السبت 9 أغسطس 2008 بعد إجراءه لعملية القلب المفتوح في المركز الطبي في هيوستن، التي دخل بعدها في غيبوبة أدت إلى وفاته بعد أن قرر الأطباء نزع أجهزة الإنعاش. و أعلن رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس الحداد 3 أيام في كافة الأراضي الفلسطينية حزنا على وفاة الشاعر الفلسطيني، واصفا درويش "عاشق فلسطين" و"رائد المشروع الثقافي الحديث، والقائد الوطني اللامع والمعطاء". وقد وري جثمانه الثرى في 13 أغسطس في مدينة رام الله حيث خصصت له هناك قطعة أرض في قصر رام الله الثقافي. وتم الإعلان عن تسمية القصر بقصر محمود درويش للثقافة. وقد شارك في جنازته الآلالف من أبناء الشعب الفلسطيني وقد حضر أيضا أهله من أراضي 48 وشخصيات أخرى على رأسهم رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس . تم نقل جثمان الشاعر محمود درويش إلى رام الله بعد وصوله إلى العاصمة الأردنية عمّان ، حيث كان هناك العديد من الشخصيات من العالم العربي لتوديعه.