قد يقف البعض مشدوهاً أمام فكرة أن يشرب البشر مياه الصرف الصحي الناتجة عن الأراضي الزراعية والمنازل، وقد يثير مجرد تخيل الأمر قشعريرة في نفوسهم، وقد يحسبونه كابوساً رآه أحدهم في منامه، ولكنه الواقع بكل الأسف في قرية الجنينة التابعة لمركز منية النصر بمحافظة الدقهلية. تتلخص أزمة أهالي الجنينة في كون المياه لا تصل تقريباً إلى منازل القرية في فصل الصيف، نظراً لسوء حالة المواسير المهترئة والمصنوعة من مادة "الإسبست" المُحرمة دولياً استخدامها في أي منتج لا يخص مواد البناء، وعندما يقوم الأهالي بتشغيل "موتور" المياه لعلاج انقطاعها تتدفق لهم مياه الصرف الصحي من الصنابير، هذا هو ملخص الأزمة التي لا يمكن تلخيص تبعاتها، حيث أن 155 مواطن قد قضوا نحبهم بالقرية خلال ال4 سنوات الأخيرة جراء إصابتهم بالفشل الكلوي والالتهاب الكبدي الوبائي والسرطان، وقد بلغت نسبة المتوفين بهذه الأمراض 71% من إجمالي عدد الوفيات، لتكون هذه الأرواح المُزهقة خير شاهد على كارثة صحية وبيئية نامت عنها أعين المسؤولين، ولكن لم تنم من أثرها أعين الأيتام والأرامل. دق الوباء أبواب القرية الصغيرة قبل 10 أعوام عندما شرعت الدولة في تجميع مياه الصرف الصحي المنزلي الخاصة بالقرى المحيطة في مصرف للأراضي الزراعية يمر بالبلدة، تمهيداً لمعالجتها بمحطة الطاهري التي بدأ إنشائها في عام 1995، ورغم مرور 19 عام على بداية الإنشاء و10 أعوام على جلب مياه الصرف للقرية فإن المحطة لم تبدأ بعد معالجة المياه ليتم استخدامها في ري الأشجار غير المثمرة، ولكن مياه الصرف قد بدأت فعلاً في قتل النخيل والأسماك، بل بدأت في قتل البشر. "توقف الصيادون عن العمل وألقوا بمراكبهم على شاطيء المصرف بعد نفوق أسماكه".. يقول رضوان أحد أهالي القرية للوادي، الدكتور "ماهر محمد إبراهيم" أحد المدرسين السابقين بكلية الزراعة بجامعة المنصورة أكد لسكان الجنينة أن أراضيهم في طريقها إلى البوار في خلال سنوات قليلة، وذلك بفعل ريها بمياه الصرف المنزلي. أحمد ابو العينين الموظف بمطار القاهرة ورئيس الجمعية الخيرية بالبلدة يقول أن أرضه لم تعد تنتج أكثر من 8 أردب أرز، بعد أن كانت تنتج أكثر من 25 أردب قبل النكبة البيئية التي حلت بها، كما أضاف أن المزارعين قد توقفوا عن الأكل من مزروعاتهم لعلمهم بأنها قد ارتوت بمياه الصرف الصحي المنزلي، وصاروا يؤثرون بيعها خارج القرية بعد انتشار الأمراض بداخلها، كما يشرع أهالي الجنينة في بناء مركز للغسيل الكلوي على نفقتهم الخاصة لعلاج مئات مرضى الفشل الكلوي من مختلف الفئات السنية، حيث يعاني شيوخ وشباب القرية من هذا المرض على حد سواء، كما لوحظ وجود العديد من السكان المصابين بالاستسقاء الناتج عن الالتهاب الكبدي الوبائي. هذا ويلخص المواطنون مطالبهم في ضرورة عمل إحلال وتجديد لمواسير المياه القديمة، والمصنوعة من مادة ضارة بالصحة، ثم وجوب ربط خطوط مياه الصرف بمحطة الطاهري لمعالجتها، وهي المحطة التي يقولون أنها لا تقوم بأي عمل منذ إنشائها بواسطة شركة المقاولون العرب قبل 19عاماً، رغم أن تكلفتها قد بلغت الملايين، مؤكدين أن مطالبهم لم تجد سوى التجاهل والمماطلة من المسؤولين الذين لا يعبئون بمعاناتهم طالما شربوا هم المياه النظيفة، على حد تعبيرهم. من جهته استنكر عادل سلطان رئيس مجلس مدينة منية النصر روايات الأهالي، وقال إنها محض أكاذيب، وقال إن مياه القرية ليس بها أي تلوث، كما صرح بأن تأخر ربط الصرف بمحطة المعالجة بسبب عدم وجود اعتمادات مالية للمشروع في ظل ما أسماها ب"الأزمة التي تعاني منها البلاد"، وعند سؤاله عن سبب شراء سكان الجنينة ل"جراكن" المياه من خارج القرية قال سلطان: " بعض الأشخاص يفضل شراء المياه المعدنية".