بالتأكيد لن أضيف بكتابتي عنه شيئاً ذو قيمة بالنسبة لذاته أو لفنه أو للمعلومات المعروف بها، والمعروفة عنه. في البدء كان طالباً في كليةِ الهندسة قبل ما يتركها؛ ليحصل على بكالوريوس التجارة.. على مستوى نظر دولة الستينيات كان علي الشريف عضواً نَشطاً -إن صح التعبير- في خليةٍ شيوعية، وبما أنها خلية وكمان شيوعية؛ فبالضرورة تخطط لقلبِ نظام الحُكم، ومكان هذه العناصر من أبناء تلك الخلايا في حينها هو مُعتقل الواحات؛ فقُبض عليه، ونُسي هُناك ست سنوات؛ قابل خلالها كثيرين، لكن ظل أقربهم لقلبه الأستاذ "حسن فؤاد" دارس الفنون الجميلة، المُخرج الصحفي المرموق، والكاتب الصحفي وكاتب السيناريو، الذي خط فيلم "الأرض" فيما بعد.. ولأن الإنسان إنسان؛ فأنه يقوم بتضفير عوامل الحياة -إن لم يكن قد زهدها- في أي مكانٍ سواء أعاش في قصر أم عاش في زريبة أو معتقل؛ فكانت إحدى عُقد ضفيرة الحياة التي صنعها المعتقلون هي تأليف عروض مسرحية أصلية أو مُقتبسة والقيام بتمثيلها وإخراجها وعرضها على عددٍ مُحدد من الأيام، قام الشريف بالتمثيل في بعض هذه المسرحيات، حتى أنه في إحداها -وقد كانت مسرحية شعرية لصلاح عبد الصبور- شخص دوراً لإمرأة بكفاءة عالية رغم تفاصيله الفيزيقية الرجولية تماماً صوتاً وجسداً. المهم فُك أسر الرجل، ولا نعلم عن أبرز حياته الشخصية سوى مٓعلٓم لقائة بالسيدة خضرة محمد إمام، التي كانت تصغره بثمانية عشرة عاماً، والتي صارت فيما بعد زوجته وأم لأولاده الستة، بعد أن وافق على طلب أهلها -شكلياً- بتركِ العمل السياسي، وموضوعياً بالتوظف في بنكٍ بأجرٍ شهري ثابت.. تقول عنه زوجته "علي الشريف ظل يمارس السياسة حتى بعد الزواج، كان مهموماً دائماً بمشاكل الشعب، وبفكرة الوحدة العربية، وكان هذا سبباً في منعه من ممارسه حقوقه السياسية من قبل السلطة؛ فلم يستطع أن ينتخب أو أن ينتمي لأحزاب سياسية".. وأضافت "كان زوجاً طيباً يحب بيته وعائلته، بمجرد أن ينتهي من عمله يعود لبيته وقد رزقنا الله ثلاثة بنات وثلاث أولاد، كان حنوناً عليهم جداً وكانوا يسمعون كلامه ويحبونه جداً، وهم حسن فؤاد علي الشريف ممثل والوحيد اللي طلع لأبوه في الشكل والطباع والفن. أما الثاني فهو حسين مهندس يعيش بأمريكا، وزينب الشريف بكالوريوس تجارة، وعلى زين العابدين بكالوريوس تربية رياضية وبطل مصر في الجودو، ثم فاطمة الزهراء مهندسة وأسماء مهندسة أيضاً". أختاره چو "يوسف شاهين" لدور دياب في فيلم "الأرض"، الذي كتبه حسن فؤاد الصديق، وهُناك روايتين بخصوص هذا الإختيار، الأولى أن الصديق قد رشحه للمخرج؛ فقابله في مكتبه ووافق على الترشيح على الفور، والثانية أن چو قد رأه صُدفةً في البنك الذي كان يعمل فيه الشريف بالإسكندرية ولم يخرج من عقله، حتى أسند له دور دياب، الذي ما أن قام بأداء أول Shot فيه، حتى سأله الممثلين الآخرين عن سنةِ تخرجه من المعهد العالي للتمثيل؛ فأجاب أن قدمه لم تطأ أرض المعهد، وأن هذه أول لقطة له كمُحترف. مثل الشريف في أفلام أخرى تلت الأرض ليست بالقليلة، ومنها: الإنسان يعيش مرة واحدة، والأڤوكاتو، حب في الزنزانة، عودة الابن الضال، الكرنك، على من نطلق الرصاص، ليل وقضبان، والعصفور.. إذا رأيت أياً من هذه الأفلام أو غيرها مما شارك فيها الشريف؛ فبالتأكيد لا يُمكن أن تنسى وجوده فيه، حتى أسم الشخصية التي يؤديها غالباً ما يلصق في الوجدان، ولا يطير.. عدم وجود طريقة معينة لتشخيص الدور وإبراز تفاصيلها ودوزنة مشاعرها بهذا الميزان الرقيق والدقيق ميزة أساسية وملمح عام في أداء الشريف التمثيلي، لكن المسألة التي دوماً كانت تمسني من صغري بخصوصه لها شقان، الأول: تجاوز ما وراء الشكل والإنطباع الذي يعطيه لك ظهور الشريف على الشاشة؛ فمثلاً بكري الصعيدي في فيلم الإنسان يعيش مرة واحدة، هذا الصعيدي المرهف الممرور المتلفح من قسوة الخوف بستر الليل، الذي ينطق الجمل الحوارية بطريقة تجعلها Quotes إستشهادات؛ لأن هذا ما تبقى له من عطاء في السلوم النائي: عطاء الحكمة المغزول على نول الصبر، رغم خوفك وقد تكون كراهيتك منه في أول ظهور في الفيلم، هذه الطبقات التي يظهرها واحدة واحدة الشريف لأي شخصية يؤديها تجعلك لا تستطيع أن تكره القاتل المحترف في حب في الزنزانة، أو تحب بشكل مطلق الشيخ المُعمم في العصفور: هذه الطبقات، التي تؤنسن الشخصيات وتبعدها عن التنميط Stereotype.. أما الشق الثاني: الخاص بي تقليل شعوري مثلاً بالفقد والغربة من خلال أدائه للقطات معينة كلقطة جري دياب في فيلم الأرض بسرعة؛ ليحتضن طمي الأرض الجاف نسبياً بعد خروجه من المعتقل قبلما يحتضن أخوه الأفندي.. الجرية والحضن والفناء هذا في الحب يشعرني بالإنتماء لهذه المنطقة الإنسانية التي وإن جافها الناس وكان شعورها بالحب والتقدير دوماً ناقصاً؛ فهناك لحظات ما سيكتمل فيها شعورها مع موجود ما من الموجودات؛ أني لستُ وحيد تماماً، وهناك شخص ما لا أعرفه حاسس بي -وعارف- ولو من خلال شريط سينما؛ مما يقلل كما قلت شعوري الدائم بالفقد والغربة والوحدة، الذي قد يكون مشترك إنساني عام كما مسني؛ مس رجلاً فرنسياً شاهد نفس الفيلم حين عرض في مهرجان كان!! يوم 11 فبراير 2011 كان حسن فؤاد الأبن في ميدان التحرير ينتظر تنحي مبارك في يوم رحيل والده عن الدنيا.. يقول هو نفسه عن هذا اليوم "عاصرت والدي لمده 15 عاماً حتى وفاته في 11 فبراير 1987، وأنا أعتز بهذا التاريخ لأنه نفس اليوم الذي سقط فيه النظام السابق، وقد كنت في التحرير ثائراً، وأجد نفسي مثل أبى فقد كان ثائراً أيضاً.عشقت الفن بسببه وقد كان يأخذني في معظم أعماله، حتى أنى مثلت معه إحدى المسرحيات". وطبعاً فات حسن أن يحكي لنا عن منعه من الإلتحاق بمعهد السينما؛ لميول والده المتوفي السياسية!! حكاية لحظات علي الشريف الأخيرة تلخص وبدون حاجة مني لإيضاح أو شرح المستوى الغير منظور في تركيبة الشريف حفيد الحسين بن علي أبو الثوار والنبلاء والأحرا، تركيبة لن تفهمها دولة الستينات ولا أي دولة أخرى، تركيبة قد يعجب ويعتز بها الكثيرون، لكن يُفضل الإبتعاد عنها أو عدم الإنتماء لها بشكلٍ واضح وحاد وقاطع؛ فطريقها وعر وثمنها كبير ونحن الناس درجات في النهاية.. تقول السيدة زوجته "كان يستعد لإفتتاح مسرحية علشان خاطر عيونك، وكان آخر يوم للبروڤات، والتالي هو يوم عرضها وبعد أن أنهى البروڤة عاد للبيت، ومعه كتاب إستشهاد الإمام الحسين، وجلس يقرأ فيه حتى الفجر ثم صلى، وقال لي أنه متعب بسبب القولون؛ لأنه انفعل مع الكتاب ومع أحداث مقتل الحسين وبعدها بدأ يزداد تعبه وعرق كثيراً؛ فقلت له لنذهب إلى الطبيب ونحن نستعد لذلك قال لي لن نذهب وخلي الولاد ميروحوش المدرسة النهاردة ولا انت تروحي الشغل؛ لأني هموت بعد شوية؛ استغربت جداً وكرر هو نفس الكلام ثم وصاني على الأولاد وطلب ألا أصرخ وقت وفاته، وأعلمني بكل شيء ماله وما عليه، ثم قام وردد الشهادتين وقال بعدها: يا حسين مدد جايلكم يا أهل البيت ثم رقد على السرير، وسندت رأسه وأحسست بثقلها فقال لي: خلاص أنا في البرزخ، ثم توفى رحمه الله عليه وسط ذهولي، ولكن طريقة موته أذهبت عنى نصف حزني".