في مذكرات نجيب الريحاني حتلاقي تفاصيل أول لُقا حقيقي. الفصل السابع: كشكش تقليد ص 100، عنوان جانبي بديعة مصابني: "في أول حفلاتنا هناك -يقصد في بيروت- لفت نظري في المقصورة الأولى سيدة بتلعلع، وقد ارتدت أفخم ملبس وتحلت بأبهى زينة. لم أعرفها حقاً، ولكنني تنبهت لوجودها وفي فترة الاستراحة بين الفصول، أدهشني أن وجدت هذه السيدة بذاتها تحضر لتحيتي وتهنئتي في حجرتي بالمسرح. ويظهر أنها لاحظت ما أنا فيه من إرتباك، فدفعها ذكاؤها إلى أن تعرفني بنفسها فقالت: إلا أنت مش فاكرني والا إيه؟ أنا بديعة مصابني اللي قابلتك في مصر وكتبت وياك كنتراتو ولا اشتغلتش! وبعد أداء ما قضى به الواجب من أهلًا وسهلاً، وإزاي الصحة وسلامات، عرفت منها أن الدافع لها على هجر مصر، بعد أن اتفقت على العمل في فرقتي، هي أنها استرجعت للشام على عجل لأمور قضائية تتصل بعملها الفني هناك. وقد عرفت إذ ذاك أنها كانت تعمل بنجاح تام كراقصة وأن اسمها ذاع في أنحاء سورياولبنان. كما أنها كانت قد اشتركت في فرقة أمين عطا الله، وحفظت الكثير من مقطوعاتنا الغنائية التي ورثها عنا أمين ... ونحن على قيد الحياة. ثم سألتني السيدة بديعة: هل إذا التحقت بفرقتك يكون لي نصيب من النجاح في التمثيل؟ فأجبتها: إنك لا تنجحين على المسرح فقط، بل إنني أتنبأ لك بمستقبل تصلين فيه إلى مراتب النجوم من أقرب طريق وفي أسرع وقت. وفي تلك الليلة جددنا عقد الاتفاق على العمل، وانضمت بديعة إلى الفرقة، وظهرت معنا لأول مرة بمرتب شهري قدره أربعون جنيها مصرياً. وكان أول اشتراك فعلي لها معنا في بيروت حيث ظهرت في أدوار غنائية، فنالت ما كنت أوقن به من نجاح". ومن هذه الليلة أتكعبل قلب كشكش بك في عِب وديعة، أسمها الذي أندثر تحت صيت جمالها من صُغرها؛ فناداها الناس ب"بديعة".. ونجيب الريحاني من مواليد برج الدلو/ الجردل، ورجل هذا البرج إذا دُلق ليست لدلقته عدلة، وليس لقلبه صفتي التكدير، والتغيير تجاه المحبوب؛ فحُملت بديعة بما لا تحتمل من مشاعر وإعتناء وغيرة، وهي الصبية ذات القصة المأساوية بنت الأثرياء، التي كان يمتلك أبوها مصنعاً لتصنيع الصابون في سوريا، ما إن احترق حتى مات الأب من حرقة القلب، وسرق الوضعاء مجوهرات أمها أثناء إنشغالهم بالحزن والعزاء، ولم يبق لهم غير بيتهم، واضطر أخوها توفيق العمل في خمارة شعبية، يمتلكها وضيع آخر أغتصب الصبية وهي بنت سبع سنين، عندما ذهبت للسؤال عن أخيها؛ ففقدت الثقة في الأرض والسماء وفي كل مذكر بينهما، وكرست وجودها لطموحها وعملها الفني والتجاري. كشكش بك إتكحرت أيضاً من فقرٍ إلى فلسٍ، ومن فلسٍ إلى فقر. من شهادة چورچ أبيض الخطية فيه "هذا الشخص لا يصلح أن يعمل ممثلا" إلى الشوارع كعب داير.. سلسلة الحزن التي تضرب روح وقلب كل نبيل ملسوع بالفن، وحتى بعد عمله في الفن ثانية والإعتراف بموهبته العظمى وفخر أمه بذلك بعد نفورها منه، عندما ركبت معه الترام ذات مرة ووجدت الشباب والصبايا يحفظون شخصية كشكش بك ومسرحياتها عن ظهر عقل وقلب؛ فوقفت وشاورت عليه وقالت "أهو نجيب أهو، ونجيب دا يبقى أبني".. بعد كل ذلك سرق أمين عطا الله شخصية كشكش ومسرحيات الريحاني والأدوار والمونولوجات والأشعار وذهب بها للشام، وعرف الريحاني ذلك كله عندما ذهب إلى بيروت في المرة المشار لها في أول المقال حيث قابل بديعة. صارا دويتو فني أشهر من نار على علم، وقدمها نجيب لأول مرة في مسرحية من تأليفه وبطولته، وكر خيط التعاون الفني بأعمالٍ مثل "السكرتير الفني"- والتي قدمها زوج آخر من الحبيبة فيما بعد وهما شويكار وفؤاد المهندس- و"الدنيا لما تضحك" و"الجنيه المصري" وأعمال أخرى كثيرة. بعد هذا النجاح الفني كُتب لقصة الحُب أن تكتمل أو تنتهي إذا شئت بالزواج عام 1924، وأصبح هذا خبر الموسم سنتها كما هو مكتوب في دورية المسرح المصري في العدد الخامس عشر والصادرة عن المركز القومي للمسرح والموسيقي والفنون الشعبية والتي تهدف إلي توثيق التراث المسرحي، حيث جاء فيها: "طالعتنا مجلة التياترو عدد سبتمبر 1924 بخبر زواج نجيب الريحاني من بديعة مصابني، ويظهر فيها الريحاني بادي النحافة واقفاً بينما العروس تجلس بالفستان والطرحة البيضاء.. شهادة الزواج من الكنيسة وفيها عقد القران أمام خوري طائفة السريان الكاثوليك بكنيسة الظاهر وأثبتت زواج نجيب الياس الريحاني من بديعة حبيب مصابني، وحمل العقد توقيع الريحاني باللغة العربية بينما وقعت بديعة مصابني بالحروف اللاتينية". دويتو آدي الحيطان- غناء بديعة مصابني ونجيب الريحاني: Video of بديعة مصابنى ونجيب الريحانى من الزمن الجميل من تصميمى. وفعلاً بعد سنة واحدة تم الإنفصال بينهما فنياً وحياتياً والسبب صرحت به بديعة بوضوح حين قالت "كسول في طموحه وحياته العملية أيضا لدرجة أنها قالت عنه إنه كان يحب النوم مثل عينيه وأنه من الممكن أن يصل الليل بالنهار نوماً". أنكسر قلب كشكش بك، وسعى للملمته على يد چوزفين الفرنسية، التي أرتبط بها لمدة ثلاث سنوات قبل محاولة أخيرة؛ لإرجاع الذي كان بينه وبينها بالطبع فشلت.. في هذه السنين الثلاثة وما تلاها أصبحت بديعة صاحبة أشهر كازينو ومرسح في مصر في شارع عماد الدين، الذي أخرج لنا فنانات مثل تحية كاريوكا وفنانين مثل فريد الأطرش ومحمد فوزي، قبل هروبها من مصلحة الضرائب المصرية على بلدها سوريا، وفتحها لمحل ألبان وأجبان حتى رحلت.. أما نجيب ظل يمثل ويفن ويبكي بصدق كأنه يعزف على جروحه دون قطرة أو جلسرين في غزل البنات، حتى مات بسبب مشهد البلكون الشهير في نفس الفيلم.. أحب -كما وصفته أبنته چينا -"كثيرات بصدق، بعضهن تركنه مما سبب حسرة لقلبه منهن جوزفين بيكر الفرنسية وعاش معها 3 سنوات بالقاهرة بعد خلافه مع بديعة مصابني، وإختفاء لوسي الألمانية التي كانت الأكثر قرباً لقلبه وفيكتوريا ناعوم مديرة منزله الشامية، الذي أسلم ليتزوجها" لكن لم تذكر چينا حبه الأكبر وهي كلبته التي كتب عنها: "كلبتي هي الأنثي الوحيدة التي تعرف الوفاء والإخلاص، إنها أعز مخلوق لدي وأقرب «صديقاتي» إلي قلبي.. كلبتي –يا حضرة – حيوان أتحدث إليه، يفهم ما أريد أكثر من أي إنسان، هي أليفتي في المنزل، وصديقتي في الشارع وزميلتي في العمل، تشاركني في التمثيل ولا تتعبني في إخراج دورها فهي تجيده ولا تنساه، ولا تتأخر عن موعد العمل.. ومن هنا كانت «الممثلة الوحيدة» التي أبقيت عليها من أفراد فرقتي المحلولة.. وعندما سافرت إلي لبنان فارقتها لأول مرة في حياتي وقد أصيبت بمرض من جراء حزنها العميق.. وكنت أراها كثيرا في المنام.. وبعد عودتي لم تكد تراني بعد غيبة حتي وقفت بعيدة عني وهي التي كانت تتحرق شوقا إلي لقائي، واغرورقت عيناها بالدموع وكأنها تقول: أخس عليك يا خاين العيش والملح! وفي الأيام الأخيرة اعتدت ألا أتركها لحظة، إذ أنها لا تزال في أيام الحداد علي فقيدها وفلذة كبدها الكلب شكل".