أعلم جيداً بأننا شعوب تكرم مبدعيها بعد رحيلهم، وبرغم هذه الحقيقة المؤلمة، كنت أعزي نفسي دوماً بفكرة أننا على الأقل لا ننساهم. لكن في اليوم الذي رحل عنا عمّنا نجم، وكانت بعض المدن الفلسطينية تجهز لأمسيات تكريمية لروحه، ارتفعت بعض الأصوات المتسائلة:"لماذا نكرم مبدعينا بعد موتهم؟". وبرغم من أننا اعتدنا على مثل هذه الأسئلة، إلا أني شعرت بالانزعاج منها بعد رحيل الفاجومي. ولم أتفهم لماذا يتم طرحها على الناس، في الوقت الذي لو فكر المتسائلون قليلاً، لوجدوا بأن السؤال غير صحيح، بل المنطق الذي ارتكز عليه لا يمت للحقيقة بصلة. أمثلة عديدة بإمكاني كتابتها حول كيف كرم ويكرم الفلسطينيون أحمد فؤاد نجم والشيخ إمام عيسى وهما على قيد الحياة، وأن التكريم هذا، أو لنقل الحبّ والانتماء إلى ما قدماه من كلمة ولحن وموقف ليس نتاج مناسبات معينة أو ما بعد رحيلهما عن هذه الدنيا. بل التكريم يتجسد لكونهما يعيشان في ذاكرة الشعوب، لا في فلسطين فقط، ويعيشان في الموروث الموسيقي الشعبي النضالي، فالكلمة والأغنية حاضرتان في المحطات النضالية المتعددة لدى الفلسطينيين، بل وفي الطريق إلى هذه المحطات التي كانت والقادمة منها. عند ليلة الإعلان عن سقوط مخطط برافر الاقتلاعي، والذي اعتبره الفلسطينيون بمثابة نكبة ثانية بسبب ما ينص عليه من مصادرة أكثر من 800 ألف دونم من أراضي النقب (جنوبفلسطينالمحتلة) وتهجير 40 ألفاً من سكانه وتدمير 38 قرية غير معترف بها، أعلنت مجموعة من الشباب الفلسطيني بأنها ستجتمع في جادة الكرمل (شارع رئيسي في منطقة حيّ الألمانية) في حيفا للاحتفال في سقوط مخطط برافر. برغم البرد الذي حلّ على المنطقة كلّها، والأمطار والثلوج في الأماكن المرتفعة، وصلت مجموعة إلى المكان، وبالإضافة إلى الانتصار الذي يدفئ القلب، كانت "شيد قصورك"، "يا فلسطينية" و"يمّا مويل الهوى" وغيرها بمثابة ملاجئ للدفء، تلك التي يذهب إليها الفلسطيني حينما يشعر بالبرد وفي طريق الأمل وعند الانتصار الفيديو : من حفل تأبين نجم بحيفا .. القاء : عامر حليحل – أغاني : ألبير مرعب – ماريا ومروان مرعب. Video of حيفا تُأبن الشاعر المصري أحمد فؤاد نجم