رشح لي صديق - في الحقيقة صديقين- مُشاهدة فيلم أنيمشن قصير للمخرج رودريجو بلاس، وهو أحد مخرجي الأنيمشن المشهورين.. يكفي أن تعرف أنه مُخرج فيلم " البحث عن نيمو".. هذه المرة في إنتاج مستقل شاهدت له فيلم " ألما"، الذي لا يزيد عن الخمس دقائق بلا جملة حوارية واحدة. تسبب هذا الفيلم في أن طرحت علي نفسي عدة أفكار، وعندها قررت أن أشاهده مع أعضاء ورشة الكتابة التي أدربهم فيها علي الكتابة الابداعية في جامعة عين شمس، وطرحوا معي رؤيتهم وأسئلتهم؛ فهاجمتني موجة أخرى من التساؤلات. لن تجد في هذه المقالة إجابات جاهزة.. فقط أطرح أسئلتي معكم. نبحث دائما خارج أنفسنا عن ما يكملنا: كأننا خُلقنا ناقصين. ونظل نبحث عن ما يكملنا ونحن لا نعلم سر الإحساس بالفراغ في جزء من أرواحنا، كأن بها قطعة أو عدة قطع ناقصة، وأنت وحظك بقي! فنظل ندور حول أنفسنا. ألما طفلة إسبانية في يوم مثلج في برشلونة تمر أمام محل لعب أطفال؛ فتري أمامه سبورة؛ تكتب اسمها ضمن أسامي أخري. ثم تنظر وراءها على واجهة المحل لتري عروسة مطابقة لها شكلاً بالملي حتي ملابسها. ألما تنظر بإنبهار و تريد أن تقتني العروسة. وهنا أريد أن أتوقف. فكرت، لماذا؟ هي تملك نفسها فلما تريد من نفسها نسخة غير ناطقة؟ هل هي نرجسية؟ أم عدم إكتفاء. إن وجدت عروسة نسخة مني؛ هل سأشعر أنني أريد إقتنائها؟ لا أظن؛ سأخاف من حقيقة هروب جزء من روحي إليها أو سأخاف من أن أري نفسي كما يراني الآخرون.. الفكرة مرعبة! ألما تحاول أن تفتح الباب، تحاول جاهدة. لكن الباب مغلق. كأنه يطردها. كيف لنا أن نقرأ الرسائل التي تأتينا؟ إشارات تحاوط خطواتنا في هذه الحياة، لكننا أكثر عكارة علي المستوي الروحي من أن نقرأها بعض الأحيان أو ليست علي هوانا. ألما، عندما تزهد، وتعطي الباب ظهرها؛ ينفتح لها قليلاً بصورة مغرية في دعوة للدخول. يتسبب هذا المشهد الصغير في مجدداً في أسئلة لا حصر لها: كم تمنيت الحصول علي شئ أو الوصول لمكان ما؛ ففشلت حتي زهدتها وعند تلك النقطة يأتيك ما كنت تريده. هل هو تدريب ما علي الاستغناء؟ ولكن فكرة الاستغناء تحتاج إلي صفحات طويلة من الكتابة لكي أحاول فقط أن أمسك طرف خيطها- منك لله يا وزيري إنت والشيتي علي ده فيلم ترشحهوه- تدخل ألما، وكلما اقتربت خطوة من العروسة؛ يحدث شئ ما، عقبة ما لكي لا تصل، هي ترى تلك الدمية علي رف عالي، لا تأخذ بالها من تحركات عيون بقية الدمى حولها كأنهم يحذرونها من مصيرهم.. ألما لا تري سوي هدفها. لا تأبه لتلك الدمية الصغير التي تركب عجلة و تحاول الخروج من الباب، وتخبط رأسها في الحائط مرة تلو الأخرى. يعني كل تلك الاشارات لا تعني لك شيئا أيتها الفتاة؟ هل عندما ننعزل عن الآخرين أو عن الأصوات الداخلية ننكسر؟ تأتينا الأصوات الداخلية لتحذرنا من شئ ما أو لتثنينا عن فعل سوف لا يأتي بشئ إيجابي، لكننا عندما نغرق في حب ذلك الشئ/ الإنسان؛ نصاب بالصمم و العمى، و نتعمد تجاهل كل الإشارات المرئية واللامرئية التي قد تأتينا في صورة نصيحة من صديق أو حلم ليلي أو حتي مجرد إحساس. في نهاية الفيلم، عندما تمسك الدمية بيدها؛ تحبس روحها داخل الدمية، تتحول مثل الآخرين: دمية علي الرف وأسم علي الحائط. و تظهر علي واجهة المحل دمية جديدة لطفلة جديدة. وهنا مرة أخري: لماذا أصرت ألما أن تأخذ تلك الدمية وهي تملك نفسها، لماذا تريد أن تقتني دمية تحمل شكلها؟ نبحث خارج أنفسنا عن ما ينقصنا، وننجذب لما نملكه من الأصل، نملك روحنا التي هي جزء من العالم الاكبر، حبست ألما نفسها داخل دمية بلا روح عندما تجاهلت كل الإشارات وعندما تجاهلت نفسها في سبيل شئ آخر حتى وإن كان يشبهها. تركت نفسها لغواية لا تعلم نهايتها. عندما نبتعد عن أنفسنا، عن أرواحنا نصبح مجرد أشياء على رف معزول مترب مثلنا مثل الاخرين، بلا شئ يميزنا.. " وتحسب أنك جرم صغير وفيك انطوى العالم الاكبر".