في الذكرى السادسة لحرب يوليو/تموز كما يطلق عليها اللبنانيون أو "حرب لبنان الثانية" كما يطلق عليها الاسرائيليون تلك الحرب التي اندلعت بين قوات الجيش الاسرائيلي وكتائب حزب الله اللبناني عام 2006 والتي استمرت لمدة 34 يوما في مناطق لبنانية مختلفة في جنوب لبنان والمنطقة الشرقية وفي العاصمة اللبنانية بيروت أما في الجانب الاسرائيلي فكانت الحرب قائمة في شمال اسرائيل "منطقة الجليل والكرمل ومرج ابن عامر" وشملت ايضا بعض العمليات من قبل حزب الله على هضبة الجولان المحتلة. البداية كانت يوم 12 يونيو 2006 حينما قام حزب الله بتنفيذ عملية الوعد الصادق و قد أدت هذه العملية الى أسر بعض الجنود الاسرائيليين مما ادى الى قيام قوات الجيش الاسرائيلي بشن هجوم على مواقع لحزب الله اللبناني يوم 13 يوينو 2006 وهذا التاريخ يعتبر هو البداية الحقيقة للحرب بين الطرفين، حيث اقتحمت القوات الاسرائيلية الجدار الحدودي الفاصل بين جنوب لبنان واسرائيل وكان رد حزب الله قاسيا بكل المقاييس على الهجوم الاسرائيلي حيث تم قتل 6 جنود اسرائيليين و وقع إيهود جولدفاسر و إلداد ريخيف في الأسر كما دمر حزب الله دبابتين اسرائيليتين من النوع "ميركافه". وأعلن الأمين العام لحزب الله اللبناني حسن نصر الله أن الجنديين الاسرائيليين تم ترحيلمهما لمكان نائي وأن عملية الاختطاف تمت من قبل حزب الله و ليس للحكومة اللبنانية أي علاقة بالأحداث بعدما قامت القوات الجوية الاسرائيلية بقصف أماكن حيوية في العاصمة اللبنانية بيروت في يوم 13 يونيو 2006 و كان أهمها محطة كهرباء وطاقة العاصمة ومطار بيروت. وكان رد اسرائيل على خطاب نصر الله بالحصار الجوي والبري والبحري على لبنان مما أدى إلى قيام كتائب حزب الله اللبناني لضرب البارجة الاسرائيلية "ساعر 5" وزورق "سوبر ديبورا" بالقرب من شاطئ مدينة صور اللبنانية مما جعل اسرائيل تسحب قطعة بحرية كانت مرابطة قبالة السواحل اللبنانية لتجنب ضربها وملاقاة نفس مصير القطعتين البحريتين الآخرتين وبعدما انكرت الشعبة الاعلامية في الجيش الاسرائيلي تحطم القطعتين البحريتين على يد حزب الله اللبناني قامت بالإعتراف بالحادثتين كما اعلنت ايضا عن وفاة 5 جنود اسرائيليين تابعين للبحرية الاسرائيلية. وكان قادة الجيش الاسرائيلي في هذه الحرب هم وزير الدفاع الاسرائيلي في ذلك الوقت والذى كان يوجد بينه وبين رئيس الوزراء حينها ايهود أولمرت كما أدت شهادته في لجنة فينوجراد المختصة بالتحقيق في إخفاقات الجيش الاسرائيلي في حرب لبنان الثانية الى تقديم استقالته من منصب وزير الدفاع الاسرائيلي. أما القائد الثاني للجيش الاسرائيلي في هذه الحرب كان رئيس الاركان العامة للجيش الاسرائيلي دان حالوتس والذي يعد أكبر رئيس أركان عمرا في تاريخ اسرائيل و قد اشرف حالوتس على خطة فك الارتباط وعلى حرب لبنان الثانية. ومن الجانب اللبناني كان الأمين العام لحزب الله اللبناني حسن نصر الله هو القائد الأبرز من الجانبين سواء اللبناني أو الاسرائيلي وأظهرت الخطابات التي كان يوجهها لإسرائيل تخوف الجانب الاسرائيلي من ناحية وقوة السلاح الاعلامي لحزب الله المتمثل في قناة المنار الفضائية الخاصة بحزب الله وكان من المذهل للجانب الاسرائيلي عمل خطابات باللغة العبرية كإعلان السيد حسن نصر الله والذي تم بثه على قناة المنار والذي كان مدبلج للغة العبرية حيث قال فيه "أردتموها حربا مفتوحة ونحن ذاهبون إلى الحرب المفتوحة ومستعدون لها وستكون حربا على كل صعيد إلى حيفا وصدقوني إلى ما بعد حيفا وإلى ما بعد ما بعد حيفا". أما القائد اللبناني الثاني فهو عماد فايز مغنية الذي لم تتوافر عنه أية معلومات أو صور كافيه طوال حياته وتم نشر بعض المعلومات عنه وقد تم اغتيال مغنية على يد الموساد الاسرائيلي عام 2008 في سيارة مفخخة بدمشق و بمساعدة جاسوس الموساد إياد يوسف انعيم وهو فلسطيني أردني. كما استدعى ايهود اولمرت مدير الموساد إلى بيته بالجليل ووعده بأن يحتفظ بمنصبه حتى نهاية عام 2009. ومع اقتراب نهاية الحرب وقبل صدور قرار 1701 الذي ينص على وقف الأعمال العدائية ودخوله حيز التنفيذ بساعات نفذ الحزب أكبر عملية إبادة لدبابات الميركافه الصهيونية المتطورة في الجنوب اللبناني في كمين محكم في وادي الحجير في القطاع الأوسط للجنوب اللبناني بما سمي بعملية "مقبرة الميركافه" حيث تم أكبر انزال صهيوني لدبابات ميركافه في آخر لحظات الحرب لمحاولة الخروج على الاقل بانجاز صهيوني من هذه الحرب ولكن عناصر حزب الله فاجأتهم بكمين محكم نتج عنه تدمير أكثر من 35 دبابة صهيونية تدميرا شبه كامل بصواريخ موجهة ومتطورة نسبيا ومقتل ما يقارب من 20 جندي اسرائيلي. وقال مدير مركز يافي لمشروع التوازن العسكري في الشرق الأوسط يفتاح شابير "لقد اتضح أن استخدام السلاح الصاروخي ضد أهداف مدنية في إسرائيل كان الأمر الأبرز اثناء حرب لبنان الثانية إذ تم إطلاق القذائف من قبل حزب الله صوب المستوطنات في شمال إسرائيل". كما قال الخبير الاستراتيجي الاسرائيلي نوعام أوفير "ينبغي الاعتراف بحقيقة أن القوة الجوية الاسرائيلية ليست حلا سحريا ومع أن قدراتها أكثر بكثير مما كانت عليه في الماضي إلا أن هناك أمورا من الصعب على سلاح الجو القيام بها بشكل مرضي ومع أن الاستخدام الذكي للطائرات والمروحيات المقاتلة والأسلحة الموجهة بدقة إلى جانب نظام استخباري وقيادة وسيطرة مساندة تساعد في تحقيق إنجازات لا يستهان بها على صعيد ضرب أهداف استراتيجية كمراكز القيادة وقواعد الجيش وأهداف البنى التحتية فإن القوة الجوية تجد صعوبة في تحقيق النجاح حتى مع ما توصف بأنها أهداف قصيرة المدى وذات زمن ظهور قصير أيضا والمقصود بذلك الأهداف المتحركة التي لا تظهر ميدانيا والقادرة على القيام بمهماتها والحفاظ على وضعية خفية نسبيا ومغادرة المكان بسرعة". ومن ناحيته أكد يهودا بن مائير في كتابه "حكومة دولة اسرائيل وأهداف الحرب" على نجاح عنصر المفاجأة الذي قام به حزب الله في حرب لبنان الثانية و لكن الجيش الاسرائيلي استطاع التعامل معها قائلا: "لقد تفاجأت الحكومة الإسرائيلية الجديدة بهذه الحرب خاصة وأن الثلاثي الذي يقودها على الصعيد الأمني والخارجي هو الآخر جديد في هذه المناصب لذلك فهي تعتبر تحديا كبيرا لها وقد فوجئ الكثيرون ومن بينهم حسن نصر الله بالتصرف السريع والحاسم للحكومة الذي كانت مدركة لأبعاده وآثاره وإن حقيقة اتخاذ القرار وتنفيذه طيلة الوقت قد حقق أهداف الحرب المتمثلة في تحطيم حزب الله واستعادة عنصر الردع الإسرائيلي وتغيير الواقع في لبنان ومن أهم القرارات الاستراتيجية التي اتخذتها الحكومة في بداية الحرب أولا عدم اقحام سوريا في المواجهة وقصرها على حزب الله وداخل الأراضي اللبنانية فقط، وثانيا التركيز على القيام بهجمات جوية والامتناع قدر الإمكان عن أي نشاط بري في جنوب لبنان". أما بعد وقف إطلاق النار ألقى رئيس الوزراء الإسرائيلي إيهود أولمرت كلمة في الكنيست يستعرض ما اعتبره إنجازات الجيش الإسرائيلي في لبنان وما حققته إسرائيل من هذه المعارك ولكنه قوطع باصوات معارضة في البرلمان الإسرائيلي وبخاصة من جانب النائب العربي أحمد الطيبي الأمر الذي أدى إلى طرده من الجلسة حيث قال الطيبي مقاطعا "هل هذا بيان انتصار؟ هل انتصرتم؟ لقد هزمتم يا سيد أولمرت"، وقال له "هل تهدد بالاغتيالات؟ ماذا عن وقف إطلاق النار؟ هل تهدد بحرب ثانية؟" وقام الوزير زئيف بويم بمهاجمة النائب الطيبي قائلا "أنت مندوب لحزب الله و أنت عميل لنصر الله". وكانت النتيجة الخسائر الاسرائيلية في حرب لبنان الثانية مقتل 119 جنديا و 44 مدنيا حسب اعتراف الجيش الإسرائيلي كما أصيب 450 اسرائيلي بين مدني و عسكري و 2 من الأسرى الجنود حسب التقديرات الاسرائيلية. أما الجانب اللبناني فلقى نحو 1200 لبناني مصرعه من بينهم 500 مقاتل من حزب الله و حركة امل اللبنانية و الحزب الشيوعي اللبناني وقوات الفجر وتم اصابة 4200 لبناني بين مدني وعسكري و تم اسر 4 جنود من القوات اللبنانية. أظهرت حرب لبنان الثانية ثغرات كثيرة في الجيش الاسرائيلي حيث أن اسرائيل لم تتمكن من خوض حرب نظامية لكونها تواجه حرب عصابات كما أنها لم تستطيع تحديد أهداف ثابتة ونهائية لاعتداءاتها فضاع مفهوم موازين القوى بين الجانبين مثلما ضاعت الحدود الفاصلة ما بين النصر والهزيمة مما جعل رئيس الأركان الإسرائيلي دان حالوتس يحاول الدوران حول هذه النقطه قائلا "إن أداء جيشه كان وسطيا". كما استطاعت المقاومة في هذه الحرب أن تنقل المعركة إلى داخل العمق الإسرائيلي وصولا إلى حيفا وعكا وصفد وأن يضطر حوالى مليون مستوطن إسرائيلي إلى النزوح من أماكن سكنهم الأساسية في اتجاه وسط اسرائيل أو جنوبها في سابقة هي الأولى من نوعها في تاريخ الصراع العربي الإسرائيلي. وقد أدى هذا الوضع إلى انهيارات نفسية ومعنوية في الجبهة الداخلية الاسرائيلية بالإضافة إلى انهيار قطاعات النقل والخدمات الأمر الذي ترك آثاره المدمرة على سمعة القيادات السياسية والعسكرية الإسرائيلية ومكانتها. جعلت حرب لبنان الثانية إسرائيل تلجأ إلى تعديل خططها العسكرية وجداولها الزمنية مرارا وتكرارا بعد أن أدركت أنها دخلت في حرب استنزاف. وكانت حرب لبنان الثانية هي المرة الأولى في تاريخ الحروب الإسرائيلية منذ عام 1948 التي يعجز فيها الجيش الإسرائيلي عن القيام باجتياح بري استعراضي كما حدث في السابق وعلى أكثر من جبهة مثل حرب النكسة عام 1967. و لكن الأمر الأهم في تلك الحرب أن الجيش الاسرائيلي فشل فشلا ذريعا في حسم الحرب بواسطة سلاح الطيران الاسرائيلي الذي يعتمد عليه دوما في الحروب أو بسلاح المدرعات نظرا لطبيعة جنوب لبنان الجغرافية مما أرغم اسرائيل الى ادخال سلاح المشاة بصورة مباشرة في الحرب وأدى هذا الى خسارة اسرائيل الكثير من الارواح والمعدات في هذه الحرب واهتزاز ثقة الاسرائيليين في جيشهم...