نكسة يونيو .. حرب 1967 .. حرب الأيام الستة .. جميعها أسماء اطلقت علي حرب أشتعلت بشكل مفاجئ بين إسرائيل من جانب و مصر وسوريا والأردن علي الجانب الآخر، في الفترة ما بين 5 و10 يونيو وأدت إلى نجاح العدو الصهيوني في إحتلال سيناء بالكامل وقطاع غزة والضفة الغربية والجولان، وكانت هي الحرب الثالثة في سجل الصراع العربي الإسرائيلي وكان من نتائجها مقتل ما يقارب من 25 ألف شخص في الثلاث دول العربية، في مقابل ما يقرب من 800 إسرائيلي، بجانب تدمير حوالى 80% من قوة التسليح الحربي في الدول العربية الثلاث، مقابل خسارة إسرائيل ما يقرب 4 % من قدرتها العسكرية مع مع عدد غير محدد من المصابين ولكن مشابه لباقي الأحصائيات في فداحتها. وكان من نتائجها أيضا أن صدر قرار من مجلس الأمن رقم 242 الذي اتخذ بإجماع الدول الخمسة عشر، وقد جاء القرار في خمسة مواد نصّت على انسحاب القوات الإسرائيلية من الأراضي المحتلة، وإنهاء جميع مظاهر الحرب، وضمان حرية الملاحة البحرية، وإنهاء مشكلة اللاجئين وضمان عدم انتهاك سيادة الدول واستقلالها والعمل على خلق مناطق منزوعة السلاح في الشرق الأوسط ، ولم يتم تطبيق هذا القرار حتى اليوم، في حين تم تعيين جونار جارينج سفير السويد السابق في موسكو موفدًا باسم الأمين العام للأمم المتحدة إلى الشرق الأوسط بجانب تسببها في تهجير معظم سكان مدن قناة السويس وكذلك تهجير معظم مدينة القنيطرة في سوريا، بجانب تهجير عشرات الآلاف من الفلسطينيين من الضفة بما فيها محو قرى بأكملها، وفتح باب الاستيطان في القدس الشرقية والضفة الغربية. حتي تلك اللحظات لم تنته تبعات حرب 1967، إذ لا يزال العدو الصهيوني يحتل الضفة الغربية بجانب قيامه بضم القدس والجولان لحدودهم ، وكان من نتائجها أيضًا نشوب حرب أكتوبر عام 1973 والقيام بفصل الضفة الغربية عن السيادة الأردنية، وقبول العرب منذ مؤتمر مدريد للسلام عام 1991 بمبدأ "الأرض مقابل السلام" الذي نص على العودة لما قبل حدود الحرب في مقابل إعتراف العرب بالكيان الصهيوني كدولة، وعمل معاهده سلام معها . بدأ الإعداد لحرب الأيام الست في اليوم الأول من شهر مايو 1967 حيث صرح " ليفي أشكول" رئيس الوزراء الإسرائيلي حينها " في حال أن استمرت العمليات الإنتحارية فإن بلاده سترد بكل عنف علي مصادر الإرهاب ، وفي 10 مايو قال رئيس أركان الجيش الإسرائيلي " لو لم يتوقف النشاط الأرهابي الفلسطيني في الجليل فسوف نهاجم دمشق " وبعدها بأربعه أيام في تمام الذكري التاسعه عشر لميلاد الدولة الإسرائيلية في 14 مايو ، قام الجيش الأسرائيلي بإجراء عرضاً عسكرياً في القدس خالف فيه المواثيق الدولية التي تقر أن القدس منطقة منزوعة السلاح . وفي الجانب المصري السوري كانت الخطوات التصعيديه علي أوجها، ففي مارس 1967 تم إعادة أتفاقية الدفاع المشتركة بين البلدين يصاحبها تصريحات جمال عبد الناصر" بأن تكرار إسرائيل عملية طبرية فإنها ستدرك أن الإتفاق - الدفاع المشترك- ليس قصاصة ورق لآغيه"، وردا على عرض 14 مايو العسكري الصهيوني قام رئيس أركان الجيش المصري الفريق محمد فوزي بزياره دمشق للتنسيق بين البلدين، وصاحب ذلك إعلان الحكومة المصرية نقل حشود عسكرية تجاه الشرق، وتم إعلان الطوارئ في مصر، مع قيام مندوب سوريا في الأممالمتحدة بإرسال كتاب إلى مجلس الأمن يقول فيه أن إسرائيل تستعد لشن هجوماً ضد بلاده. في 18 مايو زار القاهرة وزير الخارجية السوري إبراهيم ماخوس، ودعا إلى "الجهاد" ضد إسرائيل، وبعدها بيومين أي في 20 مايو، كشفت تقارير صحفية أن إسرائيل قد أعلنت وبشكل سري التعبئة العامة وأنها دعت الوحدات الاحتياطية للالتحاق بالجيش، التقارير الصحفية قالت أيضًا أن خمس فرق عسكرية من الجيش الإسرائيلي باتت في صحراء النقب قرب شبه جزيرة سيناء، الأمر الذي أثار جدلاً واسعًا في القاهرة، دفع بجمال عبد الناصر لإعلان التعبئة العامة واستدعاء قوات الاحتياط، في 21مايو تزامنًا مع توجه الأسطول السادس الأمريكي إلى شرق البحر الأبيض المتوسط، رغم أن الحكومة اللبنانية ألغت زيارته إلى بيروت تاضمنًا مع الدول العربية.مثل هذه التقارير غالبًا ما كانت صائبة، فعندما أشيع عن حشود عسكرية قرب الحدود الشمالية لإسرائيل بعث أشكول برقية إلى ألكسي كوسيجن رئيس الاتحاد السوفيتي، ينفي مثل هذه الأنباء، ويطلب منه القدوم إلى الحدود والتأكد بنفسه، ورغم ذلك فقد أبلغ مندوب المخابرات السوفييتي في القاهرة مدير المخابرات العامة المصرية، بوجود 11 لواء من الجيش الإسرائيلي على الجبهة السورية، حسب رواية المؤرخ محمد حسنين هيكل. وفي يوم 22 مايو، أعلن عن تصعيد جديد، بإغلاق مصر لمضيق تيران قبالة خليج العقبة أمام السفن التي تحمل العلم الإسرائيلي والسفن التي تحمل معدات حربية لإسرائيل، ورغم أن أغلب صادرات إسرائيل ووارداتها تتم عبر موانئ تل أبيب ويافا وحيفا، إلا أن الحكومة الإسرائيلية اعتبرت القرار المصري "فرض حصار بحري" وأنها تعتبره أيضًا "عملاً حربيًا وعدائيًا يجب الرد عليه"في 29 مايو انعقد مجلس الأمن بناءً على طلب مصر، وقال مندوبها في الأممالمتحدة أن بلاده لن تكون البادئة بأي عمل عسكري ضد إسرائيل، وأنها تدعو المجتمع الدولي للعمل على إعادة ترسيخ شروط هدنة 1949 بين بلدان الطوق وإسرائيل. رغم ذلك فكان الاستعداد للحرب مستمرًا،ففي 31 مايو زار الملك الحسين بن طلال القاهرة وطوى خلافاته مع جمال عبد الناصر ووقع على اتفاقية الدفاع المشترك التي باتت تضم ثلاث أطراف مصر وسوريا والأردن، وفي اليوم نفسه دخلت مفارز من الجيش العراقي إلى الأراضي السورية، أما في الداخل الإسرائيلي فقد بدأت الحكومة توزيع كمامات غاز لمواطنيها بالتعاون من حكومة ألمانياالغربية "رغم أنه لا توجد أي دولة عربية تملك أسلحة نووية أو جرثومية حينها وهو ما يدخل ضمن حشد الدعم الإعلامي لإسرائيل في الخارج"، وفي 1 يونيو عدل أشكول حكومته بحيث انتقلت حقيبة الدفاع إلى موشي دايان في حين أصبح مناحيم بيغن وزيرًا للدولة ومعه جوزيف سافير، وثلاثتهم من أحزاب اليمين المحافظ ممثلو "خط التطرف" في التعامل مع العرب . أما الولايات المتحدة فقد كانت علاقاتها مع مصر في تحسن، إذ زار القاهرة الموفد الخاص للرئيس الإمريكي وتقررت زيارة لنائب رئيس مصر ومعه مستشار الرئيس للشؤون الخارجية للقاء جونسون في البيت الأبيض يوم 6 يونيو، كما كان من المقرر إجراء احتفال رسمي لقبول أوراق سفير الولايات المتحدة الجديد في مصر ريتشارد نولتي، كما سمحت الحكومة المصرية لحاملة الطائرات الإمريكية إنتر بريد المرور في قناة السويس كإشارة إلى حسن النوايا، والذي كان من المفترض أن يؤدي إلى إبعاد العمل العسكري، الذي نصح الملك حسين بتحاشيه،غير أن المعارك قد اندلعت فجر 5 يونيو،وتبادل كل من مصر وإسرائيل الاتهامات حول البادئ بالهجوم، واستدعت معها انعقاد واحدة من أطول جلسات مجلس الأمن إذ دامت جلسته 12 ساعة. كان تحرك إسرائيل الأول والأكثر أهمية والذي أربك الجيش المصري، الذي كان أكبر الجيوش العربية المشاركة في القتال وأفضلها تسليحًا، هو الهجوم على مطارات ومهابط الطائرات المصرية، بحيث عطلت القدرة على استعمال 420 طائرة مقاتلة يتألف منها الأسطول الجوي المصري،وقد ذهب بعض المحللين للقول أن تعطيل سلاح الجو المصري هو السبب الأبرز لخسارة الحرب. في 5 يونيو الساعة 7:45 بالتوقيت المحلي، دوت صفارات الإنذار في جميع أنحاء إسرائيل، وأطلق سلاح الجو الإسرائيلي العملية العسكرية الجوية ضد المطارات المصرية، بمعدل 12 طائرة لكل مركز جوي في مصر. كانت البنية التحتية المصرية الدفاعية سيئة للغاية، وعلى الرغم من وجود بعض المطارات المزودة بملاجئ خاصة للطائرات، قادرة على حماية الأسطول الجوي المصري من التدمير، إلا أن الملاجئ لم تستعمل، وربما "المباغتة" التي قام بها الجيش الإسرائيلي هي السبب، فالطائرات الإسرائيلية حلقت على علو منخفض لتفادي الرادار فوق البحر الأبيض المتوسط قبل أن تتجه نحو الأراضي المصرية من فوق البحر الأحمر،وبكل الأحوال كان من الممكن استعمال صواريخ أرض جو المصريّة لإسقاط أكبر عدد من الطائرات الإسرائيلية تقليص الخسائر، إلا أن البيروقراطية الإدارية حالت دون استعمال هذا السلاح الذي وصف بالفعال، وسوى ذلك فإن القائد العام للجيش المصري المشير عبد الحكيم عامر كان حينها على متن طائرة متجه إلى سيناء ولم يعرف بالضربة الجوية الإسرائيلية إلا حين لم تجد طائرته مكانًا للهبوط في سيناء، بسبب تدمير جميع مدرجات المطارات، وهو ما دفعه للعودة إلى مطار القاهرة الدولي، دون أن يتمكن من تحقيق غايته. استراتيجية الجيش الإسرائيلي، كانت تعتمد بشكل أساسي على تفوق سلاح الجو، ولذلك أخذت الطائرات تقصف وتمشط المطارات العسكرية المصرية، واستعملت نوعًا جديدًا من القنابل منتج من قبل إسرائيل وبالتعاون مع فرنسا، عرف باسم "القنبلة الخارقة للاسمنت" بحيث تنتزع بنية مدرجات الإقلاع، بهدف منع الطائرات في الملاجئ من القدرة على الإقلاع في وقت لاحق، وحده مطار العريش لم يستهدف، إذ إن الخطة الإسرائيلية كانت تقضي بتحويله إلى مطار عسكري للجيش الإسرائيلي بعد السيطرة على المدينة، لتسهيل الاتصالات الجوية بين داخل البلاد وسيناء. كانت العملية ناجحة أكثر مما توقع الإسرائيليون حتى، وبينما تم تدمير سلاح الجو المصري بأكمله على أرض الواقع، فإن الخسائر الإسرائيلية لبثت قليلة: تم تدمير ما يقارب ال 400طائرة مصرية وقتل 100 طيار،أما الجيش الإسرائيلي فقد خسر 19 طائرة من بينها 13 أسقطت بواسطة المدفعية المضادة للطائرات والباقي في مواجهات جوية. كان آلافًا من الجنود المصريين قد قتلوا خلال انسحابهم من وسط سيناء نحو القناة، إذ اضطروا لقطع 200 كم سيرًا على الأقدام في بيئة صحراوية جافة، وهو ما أدى إلى قبول مجموعات من الجنود تسليم أنفسها كأسرى للجيش الإسرائيلي، في حين أنه من القوات التي كانت مرابطة في سيناء، نجت مجموعة قليلة جدًا من الجنود. يوم 8 يونيو يمكن اعتبارها نهاية الحرب في سيناء، مع وصول الجيش الإسرائيلي إلى رأس سودار على الساحل الغربي من شبه الجزيرة، والتي سيطرت عليه زوارق من البحرية الإسرائيلية مدعمة من قوات مظليين. وروي كتاب الفريق أول محمد فوزي أن الخسائر كانت بنسبة 85% في سلاح القوات البرية، وكانت خسائر القوات الجوية من القاذفات الثقيلة أو الخفيفة 100%، و87% من المقاتلات القاذفة والمقاتلات، كما اتضح بعد المعركة أن عدد الدبابات مائتا دبابة تقريبًا دمر منها 12 دبابة وتركت 188 دبابة للعدو،كما دمرت 32 طائرة سوريّة وسجلت نسبة استنزاف كبيرة في المعدات، أما في الأردن فقد بلغ عدد الطائرات المدمرة 22 طائرة، كما فقد العراق جزءًا من سلاحه الجوي بعد أن هاجمت إسرائيل قاعدة جوية في الأنبار، وحسب بعض التحليلات فإن نسب الاستنزاف في المعدات العربيّة وصلت إلى 70 - 80% من مجمل طاقتها. ساد العالم العربي في أعقاب "نكسته" جو من الكآبة والإحباط، فيما راحت إسرائيل تتباهى بمنجزاتها،في مصر أعلن جمال عبد الناصر عن تنحيه عن رئاسة مصر "متحملاً المسؤولية الكاملة عن الهزيمة"،إلا أنه عاد عن التنحي بعد مظاهرات حاشدة في القاهرة ومدن أخرى، رافضة لتنحيه عن السلطة. رغم ذلك فآثار الهزيمة لم تتلاش بهذه البساطة، إذ تعرض الجيش المصري لحملة انتقادات شعبية لاذعة وسخرية ما اضطر عبد الناصر نفسه للطلب من الشعب التوقف عن حملته مذكرًا أن الجيش يبقى "أمل الأمة". وفي 1 سبتمبر انتحر المشير عبد الحكيم عامر القائد العام للجيش المصري، بعد أن ابتلع كمية كبيرة من الآكونيتين. حتى حرب 1967، كان في عدد من الدول العربيّة أقليات من اليهود العرب غير أنها واجهت الاضطهاد والطرد بعد انتصار إسرائيل، ووفقًا للمؤرخ مايكل أورين، فإن الأحياء اليهودية في مصر واليمن ولبنان وتونس والمغرب تعرضت للهجوم من قبل الغوغاء وأحرقت عدد من الكنس والمعابد، ووقعت في طرابلس الغرب مذبحة راح ضحيتها 18 يهوديًا وجرح 25 آخرين، كما احتجزت الحكومة الليبية الباقي واعتقلتهم. وفي مصر من أصل 5000 يهودي ألقي القبض على 800 منهم بما في ذلك حاخامات القاهرة والإسكندرية، وحجز على ممتلكاتها من قبل الحكومة، كما وضعت قيادات يهودية في دمشق وبغداد تحت الإقامة الجبرية، وسجن بعض قادتها وفرضت عليه غرامة، ومحصلة العملية طرد نحو 7000 يهودي عربي معظمهم نزح دون ممتلكاته.