في احدث دراسة حول السياسة الخارجية الأمريكية تجاه دول القارة الإفريقية وبالأخص مصر، إبان حكم الرئيس الأمريكي دوايت ديفيد إيزنهاور الرئيس الرابع والثلاثين للولايات المتحدةالأمريكية، والتي قدمتها الباحثة "أسماء عبد الفتاح حسين" لنيل درجة الماجستير من كلية الآداب جامعة المنيا بحضور الدكتور محمد عاطف عبد المقصود أستاذ التاريخ الحديث والمعاصر بكلية الآداب جامعة المنيا مشرفاً عاماً، والدكتور عبد الله عبد الرازق إبراهيم أستاذ التاريخ الحديث والمعاصر بمعهد الدراسات والبحوث الإفريقية بجامعة القاهرة والدكتور وجيه عبد الصادق عتيق أستاذ التاريخ الحديث والمعاصر بكلية الآداب جامعة القاهرة من الخارج. وانتهت المناقشة بمنح الباحثة درجة الماجستير في التاريخ الحديث والمعاصر بأعلى درجة علمية في كلية الآداب جامعة المنيا في بحثها المقدم بعنوان "السياسة الخارجية الأمريكية تجاه قارة إفريقيا فترة إيزنهاور 1953 – 1961" بتقدير ممتاز مع التوصية بالطبع والنشر والتداول على حساب الجامعة". توصلت الدراسة إلى أن تلك الفترة من حكم إيزنهاور تعتبر هي جذور العلاقات الحقيقية بين الولاياتالمتحدةالأمريكية وإفريقيا بعد نبذ أمريكا لسياسة العزلة حيث انطلقت بعد ذلك الحكومات الأمريكية التالية لأيزنهاور في علاقاتها بالقارة. وأضافت الدراسة الأكاديمية التي أعدتها الباحثة: إن الولاياتالمتحدة قامت بحماية الحكومات الإفريقية الموالية لها وحاولت هدم وإقصاء الحكومات المناهضة لسياستها. وأشارت الدراسة إلى إن الموقع الاستراتيجي للقارة الإفريقية وما تحتوي عليه من ثروات وما تعانيه من تخلف وفقر ومعاناة من نير الاستعمار تسبب في تحول اهتمام السياسة الأمريكية نحوها حيث رأت في القارة ضالتها المنشودة والمسرح السياسي الممهد لتحقيق الأهداف الأمريكية المستقبلية، حيث لن تواجه في القارة النامية المفعمة بمشاكلها الخاصة اعتراض على التدخل الأمريكي المتواري خلف المعونات والمساعدات والاستثمارات والقواعد العسكرية وغيرها. وأضافت الدراسة أن الولاياتالمتحدةالأمريكية لا تنتهج سياسة تجاه أي دولة إلا إذا كان ذلك يصب في مصلحتها حتى ولو كانت مستقبلية وليست آنية فهي خططت للسيطرة على القارة الإفريقية من خلال الحركات التنصيرية والتبشيرية ودعم الكنائس، وقالت الدراسة أن السياسة الخارجية الأمريكية تجاه أي منطقة في العالم مرتهنة بعوامل عدة تدفعها للانغماس فيها أو الابتعاد عنها وتجاهلها، وقد ارتهنت إفريقيا للتوجهات الأمريكية؛ فقبل انتهاء الحرب العالمية الثانية كانت الظروف كلها مواتية إلى أن تتغلغل الولاياتالمتحدة في المنطقة بكل إمكانياتها وذلك حينما أقامت لنفسها قواعد عسكرية وجوية في ليبيا ومصر، كما قدمت لعدة بلدان مساعدات اقتصادية وفنية ضخمة. وقالت الدراسة أيضاً أن تلك الفترة تعتبر هي البداية الحقيقية لدخول إفريقيا بؤرة الصراع في الحرب الباردة فاستخدمت القوى العظمى القارة الإفريقية كساحة لصراعها وكوسيلة لتحقيق غايتها. وذكرت الباحثة أن دراسة موقع إفريقيا على خارطة الاهتمامات الأمريكية في تلك الفترة تحكم فيه عدة عوامل حيث كانت إفريقيا إحدى البؤر الرئيسية للصراع بين قوى التحرر الوطني والاستعمار، وذلك له دلالة خاصة بالنسبة لسياسة الولاياتالمتحدةالأمريكية، فقد تحولت الولاياتالمتحدةالأمريكية بدرجة متزايدة إلى الاهتمام بإفريقيا بوصفها مكاناً تسعى فيه إلى تحقيق أرباح هائلة، ولما كان للقارة الإفريقية مجالاً حيوياً بالنسبة للثروات الطبيعية وخاصة البترول، وموقعاً إستراتيجياً هاماً على خريطة العالم فقد رأى الساسة الأمريكيون تثبيت قواعدهم في هذه المنطقة حتى لا تقع في يد الاتحاد السوفيتي وتستخدم ضد مصالح الولاياتالمتحدةالأمريكية. وإن كان هذا التفسير الأمريكي حُجة غير حقيقية، فعندما تحدث "دين أتشيسون" وزير الخارجية الأمريكي الأسبق أمام لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ في أوائل الخمسينات لشرح أبعاد الاستراتيجية الأمريكية. وقال:"حتى لو لم يكن هناك الاتحاد السوفيتي، حتى لو لم يكن هناك توجيهات شيوعية، فكنا سنواجه صعوبات بالغة من أجل البقاء، ودعم تلك المناطق من العالم الحر التي دمرتها الحرب العالمية الثانية"؟!. وما ذكره أتشيسون يمثل نقطة الانطلاق في محاولة كشف أبعاد الإستراتيجية الأمريكية تجاه القارة الإفريقية وأن حماية المصالح الأمريكية تتعدى الصراع العسكري والأيدلوجي مع الاتحاد السوفيتي حتى ذروة التنافس بين القوتين العظميين. وأكدت الدراسة أن الولاياتالمتحدةالأمريكية والاتحاد السوفيتي رأى في القارة الإفريقية التربة الصالحة لأجواء الحرب الباردة فجنت القارة الإفريقية فائدة محدودة من تلك المرحلة ولكن على الرغم من ذلك إلا أنها كانت من أسوأ المراحل التي مرت بها القارة الإفريقية من آثار الحرب الباردة عليها لأنها سلبتها اعتمادها على نفسها في مجال التنمية والدفاع، فقد كانت إفريقيا قد اعتادت في فترة الحرب الباردة "الاعتماد على الغير" كما كانت تربه صالحة للجور على حقوق الدول الإفريقية من طرف الدول الاستعمارية الجديدة، وفي شروط التكتل المتجابه للنظامين الاجتماعيين المتعارضين كان من الأسهل على الإمبرياليين فرض ما يريدونه على الدول النامية وخرق حقوق هذه الدول دون أي اعتبارات. وأضافت الدراسة أن تلك الفترة شكلت ملامح السياسة والأهداف للقارة الإفريقية والتي ظهرت في: مداً قومياً عالياً تمثل في تحرير أغلب دول القارة حتى عام 1961، ودفع بمعظم نظم الحكم فيها إلى تحرير اقتصادها من يد السيطرة الأجنبية، وخاضت الولاياتالمتحدة الصراع ضد الحركات القومية في إفريقيا بل أنها قامت بمساعدة الدول الاستعمارية على حساب الدول الإفريقية المستعمرة، فمثلاً قامت عن طريق حلف الأطلنطي بمساعدة فرنسا في الحرب ضد الجزائر حتى تتمكن فرنسا من مواصلة تلك الحرب. كما حدث تضامُن بين الدول الإفريقية واتخاذها لسياسة الحياد الإيجابي وعدم الانحياز في مواجهات الحرب الباردة الدائرة بين الشرق والغرب، والعمل على النهوض وإصلاح ما أفسده الاستعمار والاهتمام بخصائص التقدم والتنمية. وقامت الولاياتالمتحدة باحتكار البترول والمعادن الإفريقية وذلك نظير بعض التسهيلات. ولم تكتفي الولاياتالمتحدة بذلك بل عملت على زيادة مواقعها الإستراتيجية في البلدان الإفريقية، ومد شبكتها العسكرية، وذلك لتربط هذه البلدان بسياسة حلف الأطلنطي. وأكدت الدراسة أن الولاياتالمتحدةالأمريكية قدمت الكثير من المساعدات والمعونات المشروطة وأيضاً غير المشروطة وبرغم أن الدول الإفريقية استفادت من تلك المساعدات إلا أن تأثيرها السلبي كان أكبر بكثير من فائدتها حيث كان الهدف الحقيقي من تلك المساعدات هو محاولة الولاياتالمتحدةالأمريكية أن تثبت للدول الإفريقية أن تلك المساعدات ذات قيمة كبرى لدولها الضعيفة والمغلوبة على أمرها وبإمكانها أن تغير من مسار حياة الشعوب الإفريقية في تلك البلدان حتى تستميلها بعيداً عن الكتلة الشرقية والاتحاد السوفيتي وأيضاً حتى تسيطر على مسار تلك الدول من خلال تلك المعونات. وأضافت الدراسة أن الاتحاد السوفيتي قام بسياسة مغايرة لسياسة الولاياتالمتحدةالأمريكية داخل إفريقيا حتى تظهر الولاياتالمتحدة أمام الدول الإفريقية بمظهر الدولة الاستعمارية ومن ثم يقوى نفوذ الاتحاد السوفيتي داخل القارة ويضعف التأثير الأمريكي، وبرغم أن الاتحاد السوفيتي لم تكن له قواعد عسكرية داخل القارة ولم يُقدم أي مساعدات مشروطة وكان دائماً مناصراً لقضايا استقلال الدول الإفريقية بل أن الاتحاد السوفيتي في كثير من القضايا هو الذي كان يقوم بتقديمها أمام الأممالمتحدة وهذا ليس لأن الاتحاد السوفيتي هدفهُ مصلحة إفريقيا والقضايا الإفريقية في المقام الأول والأخير ولكن الهدف السوفيتي الأهم كان مركزه في الحرب الباردة وضرب الولاياتالمتحدةالأمريكية في مراكز أهدافها السياسية. وقال البحث إن السياسة الأمريكية تطورت تجاه القارة الإفريقية تدريجياً جراء ما حدث من تطور ملحوظ في الجهاز الإداري الأمريكي الذي يضطلع بالسياسة الإفريقية وذلك منذ عام 1956 م، أما عام 1958 م فقد حمل الكثير من الأحداث المفعمة بروح النضال بين دول القارة ضد الاستعمار من أجل التحرر والتي كان لها طابعها الذي حث كلاً من الولاياتالمتحدة والاتحاد السوفيتي إلى مزيد من الاهتمام بالقارة؛ وقد مرت السياسة الأمريكية في تطورها تجاه القارة الإفريقية في أربع مناح: أولها: موقف يتعاطف ظاهرياً مع الحركة الاستقلالية في القارة لكنه لا يؤيدها فعلياً للحصول على استقلالها بل يعرقلها ويهدمها. أما التغير الثاني: فهو التأكيد على المساعدات الاقتصادية لإفريقيا. ثم حدث ثمة تغير ثالث: وهو التأييد الرسمي لحركات الاستقلال الإفريقية. والتغير الرابع: حدث عام 1960 وكان قوامه التخلي عن الميل إلى النظرة نحو الحياد على أنه غير مُجدٍ وأخذت أمريكا تتقبل ارتباط الإفريقيين الكبير بمبادئهم المستقلة في العلاقات الدولية منذ نهاية عام 1958 م، وأخذت حملات النقد للحياد وعدم الانحياز تتلاشى إلى حد كبير. وبرغم أن الدراسة تشمل القارة الإفريقية بأكملها وتوضح اهتمام الولاياتالمتحدة بدول القارة إلا أن مصر كانت هي بؤرة الاهتمام بالنسبة للولايات المتحدة، والدافع الأقوى الذي أعطاها تلك المكانة هو اهتمام الاتحاد السوفيتي بمصر، فكان إحدى الأهداف الكبرى بالنسبة لأمريكا أن تقضي على الاتحاد السوفيتي تماماً وأن تبعده وتقصيه عن مصر على وجه الخصوص، فكانت تلك الفترة من أسخن فترات الحرب الباردة، وإذا قال المؤرخون إن الحرب الباردة كانت بين الاتحاد السوفيتي والولاياتالمتحدةالأمريكية، فإن التاريخ يكشف عن حقيقه أخرى، وهي أن الحرب الباردة داخل القارة الإفريقية والمنطقة العربية كانت بين الولاياتالمتحدةالأمريكية ومصر؛ فكلما كانت الولاياتالمتحدة تحاول نسج شباكها على أي دولة عربية أو إفريقية أو حتى أي دولة من دول العالم الثالث النامي، تجد مصر المتجسدة في عبد الناصر حائط صد منيع ومخيب لأمالها وطموحاتها الإمبريالية، فلم تكن تتوانى أبداً عن بث الفرقة والضغينة بكل الوسائل الإمبريالية الحقيرة حتى تُقصي مصر عن أشقائها، بل وعن دول العالم أجمع، ويتضح ذلك بقوة في تلك الدراسة فمصر عنصراً هاماً عند الحديث عن كل دولة إفريقية وعلاقتها بالولاياتالمتحدةالأمريكية حيث يأتي ذكر مصر على الدوام. ولأن إجابة أي سؤال تكمن في التاريخ فالولاياتالمتحدة سياستها الخارجية ليست آنية بل دائماً رجائها مستقبلي، فإذا حاولنا أن نفسر ما يحدث الآن في الوطن العربي من ثورات ضجت من فساد حكامها ومن ظلم واستبداد نُظمها فسنجد الإجابة في التاريخ. وعنصر هام من العناصر التي ساعدت على ما حدث ومازال يحدث في وطننا العربي؛ تلك السياسة التي أعلنتها الولاياتالمتحدةالأمريكية في عام – 1960م – في المنطقة بعدة نقاط ويهمنا منها هنا نقطة العمل على مساعدة أقطار الشرق الأوسط، على تشكيل نظم ديمقراطية تميل للغرب وتتعاطف مع الفهم الأمريكي للحياة، وبتدبر تلك السياسة نجد أن الولاياتالمتحدة أيضاً كان لها دور كبير في مساعدة النظم الاستبدادية في المنطقة وتدعيمها حتى تصل تلك النظم إلى ذروة الفساد والكبر، وأنه لا مهلك لها، وأن الشعوب ماتت بل وتحللت بما لا يمكن لها من قائمة، ولكن الحق لا يموت. وقد درست الولاياتالمتحدة الفكر العربي أكثر من حكامنا فكانت على يقين بأن النهاية ستأتي بثورات عارمة في الوطن العربي بأكمله وأن العربي الذي تجري بدمائه الكرامة والمروءة لن يخضع لجور حاكم أبداً، فاستعدت "للفوضى الخلاقة" كما أطلقوا عليها – والله لبئس القول، فأبداً الفوضى ما كانت خلاقه، فالفوضى لا ينتج عنها إلا فوضى ودمار - حتى يدخلوا بشتى الوسائل في أراضينا ويحدث التفكك العربي الشامل بما يضرب في ما بقى لنا من قوة ووحدة وكما تذرعت واحتلت العراق تتذرع وتحتلنا جميعا ولو بأشكال الاستعمار الجديدة وخاصة مصر التي دبرت وما زالت تدبر لها حتى تصبح كالسودان أو لبنان أو العراق وهذا هدفهم الأسمى ولكن لن أقل هيهات بل مستحيل أن تنال الولاياتالمتحدة من مصر وشعبها الواعي فنحن تخلصنا من الفساد ونستطيع أن نحمي الوطن والبلاد من أي دسائس ومؤامرات للنيل منا، فليعي ذلك جيداً الوطن العربي بأكمله ولنناضل من أجل حريتنا دون فوضى ودون تدخل خارجي.