الدكتور مجدى زعبل، أكاديمى ودبلوماسى سابق، عمل مستشارا ثقافيا لمصر فى دولة أوزبكستان، وصدر له فى عام 2010 كتاب «الحوار العربى التركى»، ويستعد لإصدار كتابه الثانى «مخطوطات رائدة»، وأحد رموز الحركة الطلابية الناصرية فى السبعينات، وسبق اعتقاله عدة مرات بسبب نشاطه السياسى، ومن موقعه الحالى كأمين عام لحزب الكرامة وعضو مجلس أمناء التيار الشعبى أجرت «الصباح» معه هذا الحوار. * ما هى قراءتك للمشهد السياسى الحالى الذى تمر به مصر؟ تمر مصر بأزمة وطنية كبرى منذ الإعلان الدستورى الصادر فى 12 نوفمبر من العام الماضى الذى أدى إلى شيوع حالة من الانقسام الوطنى وتضاعف الإحساس بالخطر من خشية الانزلاق إلى فوضى لا تحمد عقباها وفى جو الأزمة قفز الرئيس قفزة إضافية إلى الأمام بالإسراع فى الانتهاء من الدستور وطرحه للاستفتاء. * ما رأيك فى أداء النظام الحالى فى أحداث الذكرى الثانية للثورة؟ الذكرى الثانية للثورة كانت «الغاشية الكبرى»، فالأزمة تفاقمت مع استخدام قوات الأمن عنفا ممنهجا زاد فى قسوته وخسته على ما كان من النظام القديم، وقد أضيفت إلى صور ومشاهد الاتحادية الأولى «بعد صدمة الإعلان الدستورى» صور ومشاهد للقتل والتعذيب حتى الموت وإهدار الكرامة الإنسانية وحصار مدن القناة وشعبها العظيم رمز المقاومة الشعبية النبيلة فى تاريخنا كله والمشهد، فى عمومه ينذر بخطر حقيقى يهدد الهوية الوطنية ووجود الدولة المصرية بكل أجهزتها وكيانها التاريخى المستقر والذى بناه المصريون عبر تاريخهم وضحوا من أجله واستشهدوا فى سبيله وقاموا بثورة عظيمة من أجل بناء الدولة الجديدة دولة الحرية والقانون والعدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية والاستقلال الوطنى. * الصراع بين الإخوان وجبهة الإنقاذ ما نهايته؟ طبيعة الصراع الدائر فى مصر الآن ليست صراع الإخوان مع جبهة الإنقاذ بل صراع الإخوان مع الثورة ومشروعها ومع المصريين وأحلامهم وآمالهم الكبرى وكلما أصر الإخوان على مشروع الدولة «الإخوانية» والتمكين وكلما ابتعدوا عن الثورة وآمال المصريين كلما زادت حدة الصراع ووطأته. * بمناسبة ذكر جبهة الإنقاذ.. إلى أى مدى ترى قدرتها على التماسك والاستمرار؟ تشكلت جبهة الإنقاذ كاستجابة وطنية سريعة فى مواجهة خطر الاستبداد والأخونة وجمعت الجبهة كل مكونات الطيف السياسى المصرى من أحزاب وشخصيات وطنية مستقلة ولعبت الجبهة دورا سياسيا بالغ التأثير فى الأسابيع الأولى من تشكيلها غير أن نمطية الأداء والحملة الإعلامية المنظمة ضدها سحبتا من رصيدها بعض الشىء. * ما هى التحديات التى تواجه جبهة الإنقاذ؟ يمكن حصر التحديات التى تواجه الجبهة فى التالى، عدم قدرتها على مواكبة حركة الشارع حيث سقف المطالب الثورية للشارع أعلى من مطالبها، وعدم انسجام مكونات الجبهة فى الخطاب السياسى وسيطرة فكرة الانتخابات على نشاطها الرئيسى، وغياب الرؤية الاستراتيجية لتوجهها الأساسى من حيث كونها جبهة سياسية تنظيمية ذات هدف بعيد وهو النضال من أجل بناء الدولة الوطنية الديمقراطية فى مواجهة «دولة الإخوان»، وانحسار دورها فى إصدار البيانات والدعوة للاحتشاد لمواجهة سياسات الحكم الحالى دون تقديم بدائل وطنية إيجابية على الأرض رغم امتلاك الجبهة العديد من الخبرات فى جميع المجالات، ونزعة بعض شخصيات الجبهة إلى التعبير الذاتى عن طريق إعلان بعض المبادرات ما أثر على وحدة الكيان والتنظيم. * هل يريد الإخوان بناء مجتمع ديمقراطى؟ لاشىء من هذا حدث ولاشىء من هذا سوف يحدث لأن الديمقراطية فى جوهرها تعنى الإدارة الرشيدة للمجتمع وهى أسلوب ملائم تدير به النخبة الحاكمة من خلال الدولة مجمل النشاط الاجتماعى للأمة خاصة فى صورته المكثفة أى «النشاط السياسى» فهل قدم الإخوان شيئا من هذا، وأيضا فإن الديمقراطية تعنى قيام أوضاع مؤسسية «تعبر عن تعدد الإرادات وتوازن معين بين القوى» فهل رأينا ثمة مقدمات تقود لذلك؟. * ما رأيك فى من يقول إن الصندوق الانتخابى هو الذى يعبر عن الإرادة الشعبية؟ على الذين يتحدثون عن الانتخابات و«الصندوق الانتخابى» أن يوفروا مناخ طيبا ودستورا طيبا وقانونا طيبا، وإجراءات تتسم بالمصداقية والشفافية.. فكيف يستقيم الفهم حين تقمع وتسحل وتقتل بالنار حينا وبالتعذيب حينا وتحاصر مدن «البطولة المضيئة» فى التاريخ والوجدان، ثم تدعونى إلى صندوق الانتخاب.. * أعلنت جبهة الإنقاذ عزمها مقاطعة الانتخابات فما أسباب ذلك؟ جبهة الإنقاذ وضعت 5 بنود تمثل الحد الأدنى لضمانات نزاهة الانتخابات ووجدت أن السلطة لم تستجب لأى من هذه الضمانات.. فكان من الطبيعى مقاطعة الانتخابات حتى لا تكون الجبهة عاملا يضفى الشرعية على عملية الانتخابات التى من المؤكد أنها لن تكون نزيهة. علاوة على أن هناك تخوفا كبيرا من أن تكون الانتخابات فى تلك الأجواء المحتقنة قد تؤدى إلى صدامات بين أبناء المجتمع الواحد.. إضافة إلى أنه كيف يمكن الذهاب للانتخابات ودماء الشهداء مازالت تسيل ومازال القمع يتوالى، وفى النهاية بعض محافظات الجمهورية فى حالة عصيان مدنى.. باختصار شديد مصر تعيش أجواء حرب وليست أجواء انتخابات. * ألا ترى أن مقاطعة جبهة الإنقاذ الانتخابات تصب فى صالح التيارات الأخرى؟ إن المقاطعة لاتعنى مقاطعة الانتخابات كمرشحين لكنها دعوة للشعب لرفض هذا المسار الفاشل الذى أدى إلى انقسام المجتمع وازدياد حدة الفقر وتعميق المشكلة الاقتصادية. فنحن لا نقاطع الانتخابات لمجرد المقاطعة لكنها دعوة إلى توافق وطنى لصالح الجميع وأخشى أن تكون الانتخابات القادمة تكرارا لنفس سيناريو انتخابات 2010 التى صادرها الحزب الوطنى لصالحه فانفجرت الثورة ضده وضد استبداده، وإذا كان البعض يقول إن المقاطعة انتحار سياسى، فأنا أقول إن إجراء الانتخابات فى هذه الظروف يعد انتحارا وطنيا. * ماذا عن الأوضاع الاقتصادية فى ظل استمرار انسداد الأفق السياسى؟ انسداد الأفق السياسى يرشح الأزمة الاقتصادية لمزيد من التعثر فمنذ تولى الرئيس حتى الآن تجاوز عجز الموازنة 90 مليار جنيه، واقترب الدين الإجمالى المحلى من تريليون و300 مليار جنيه. بينما معدل التضخم وصل إلى مايزيد على 6% وتراجع احتياطى النقد الأجنبى إلى حوالى 13 مليار دولار وهى جميعا مؤشرات مفزعة، وأيضا مرشحة للأسوأ طالما لاتوجد حلول جادة. وقد اقترح خبراء وطنيون أمثال د. أحمد السيد النجار وعبدالخالق فاروق وغيرهما جملة حلول إنقاذ سريعة ولم يستجب لها أو تولى بالاهتمام اللائق * وما رأيك فى أزمة قرض صندوق النقد؟ قرض صندوق النقد لن يمثل فى حد ذاته أى إنقاذ بل سيضاعف الأزمة على المدى الطويل هذا إذا حصلنا عليه أصلا فصندوق النقد يطلب من الدول «التابعة» فى توصياته أن تفتح أبوابها للاستيراد من الدول المسيطرة بلا شرط ويفرض تثبيت وخفض سعر الصرف، وهو يفرض وصاية كاملة على السياسات الاقتصادية وعينه لا تغفل عن تسجيل أى انحراف عن المسار المفروض فى الدول التابعة والحقيقة أنه ليس لدى الإخوان رؤية اقتصادية وهم ربما لا يعرفون الفرق بين الاقتصاد الجزئى «إدارة مشروع أو مؤسسة خاصة»، والاقتصاد الكلى للدولة القائم على التكامل بين وحدات مختلفة ومرتبط قطعا بمفهوم للتنمية وموجه أساسا إلى إشباع الحاجات الأساسية للمواطنين، ومن هنا نفهم الفرق بين نظرية الاقتصاد الوطنى المستقل حيث «التنمية» هى الهدف الرئيسى وتخضع لها كل السياسات الاقتصادية الأخرى بما فيها التجارة الخارجية بينما نظرية صندوق النقد تعتبر «التجارة الخارجية» هدفه الرئيسى وتتبعه وتخدمة كل السياسات الاقتصادية الأخرى بما فيها «التنمية» قرض الصندوق ببساطة يؤدى إلى عجز فى ميزان المدفوعات والوقوع فى شرك دائم للديون الخارجية.