أصدرت لجنة التحقيق الدولية المستقلة المكلفة من قبل الاممالمتحدة بالتحقيق في انتهاكات حقوق الانسان والمجازر وجرائم الحرب والجرائم ضد الانسانية فى سوريا احدث تقرير لها والذى يغطى الفترة من 28 سبتمبر الماضى 2012 وحتى 16 من شهر ديسمبر الجارى. وأكدت اللجنة أن الصراع السورى وبعد عامين من انطلاق مظاهرات الاحتجاج السلمية فى سوريا قد أصبح صراعا طائفيا بامتياز وان الاقليات المسيحية والدرزية والتركمانية والكردية وكذلك اللاجئين الفلسطينيين فى سوريا قد تم جرهم إلى الصراع. وأشارت اللجنة إلى أن الاقليات السورية قد شكلت لجانا شعبية مسلحة للدفاع عن مناطقها خوفا من التعرض لهجمات المعارضة المسلحة السنية وأن عدد من تلك اللجان الشعبية فى مناطق مثل دمشق وغيرها قد شاركت فى القتال إلى جانب القوات الحكومية بعد أن قامت الحكومة السورية بتزويدها بالسلاح والزى العسكرى.
وفى الوقت الذى لفتت لجنة التحقيق الدولية المستقلة إلى تقارير تفيد بدخول مجموعات من العراقيين الشيعة الى سوريا للاشتراك فى القتال فقد اكدت أن تحقيات تجرى من جانبها للتأكد من هذا الأمر وحذرت اللجنة فى تقريرها من أن تحول الصراع فى سوريا إلى تلك الدرجة من الطائفية بات يشكل مخاطر واضحة بأن مجتمعات بأكملها داخل سوريا أصبحت مهددة بالاضطرار للخروج من البلد أو التعرض للقتل داخل البلاد بما يعنى انها تواجه تهديدا وجوديا.
وشددت اللجنة على أن الحاجة الان إلى التفاوض والتوصل إلى تسوية سياسة هى أكثر إلحاحا من اى وقت مضى .
اضافت اللجنة الدولية فى تقريرها أن العنف الذى لايهدأ فى سوريا قد أسفر عن وقوع الآلاف من القتلى والجرحى والمعتقلين والمختفين وكذلك الدمار هائل الحجم فى كل مكان وفى الوقت الذى فر الالاف من منازلهم هربا من جحيم العنف المتصاعد فان من بقوا يواجهون يوميًا تحدى تأمين الاحتياجات الاساسية.
وفى الوقت الذى ذكرت اللجنة أن مواقع التراث العالمى قد تعرضت للدمار او التلف وكذلك أحياء سكنية بأكملها فقد أكدت ان المدنيين باتوا يتحملون وطأة المواجهات المسلحة بين القوات الحكومية والجماعات المسلحة المعارضة والتى انتقلت الى عمق المناطق الحضرية. وقالت لجنة التحقيق الدولية المستقلة المكلفة من قبل الاممالمتحدة بالتحقيق فى انتهاكات حقوق الانسان والمجازر وجرائم الحرب والجرائم ضد الانسانية فى سوريا أن انماط انتهاكات حقوق الانسان كما تحددها المواثيق الدولية والقانون الدولى الانسانى والتى تناولتها اللجنة فى تقاريرها السابقة مازالت مستمرة دون هوادة خاصة فى ظل انتشار الكيانات المسلحة سواء المؤيدة للحكومة او تلك المناهضة لها .
من ناحية أخرى وفى حين قالت لجنة التحقيق الدولية فى تقريرها الصادر اليوم الخميس ان الصراع السورى بات يوصف كتصعيد مستمر ولكن غير متكافئ للعنف المسلح فى جميع انحاء البلاد فقد نوهت الى ان مستوى العنف فى سوريا يختلف من منطقة الى أخرى استنادا إلى عدة عوامل منها الاهمية الاستراتيجية لمنطقة معينة او طبيعة انتشار القوات الحكومية اضافة الى التركيبة الطائفية للسكان المحليين فى المناطق المختلفة وتنظيم الجماعات المسلحة المناهضة للحكومة وامكانيات الحصول على الدعم اللوجستى بينما ذكرت اللجنة فى هذا الاطار انه فى المحافظات السورية الجنوبية فى درعا والسويداء والقنيطرة مازالت القوات الحكومية تسيطر على المناطق الرئيسية وذلك بسبب التواجد المكثف للوحدات العسكرية والاجهزة الامنية.
وذلك مقابل وجود غير منظم نسبيا وضعيف للمجموعات المسلحة المناهضة للحكومة والتى تقوم فقط بهجمات ضد نقاط التفتيش المعزولة لفترات وجيزة بينما لايزال الجيش قادرا على اقامة نقاط التفتيش وشن الغارات على المدن المضطربة.
من جانب أخر اكدت اللجنة أن التقارير الواردة من المحافظات الشمالية والوسطى تعكس واقعا مختلفا تماما حيث تسيطر الجماعات المسلحة المناهضة للحكومة على مساحات كبيرة من الارض كما أن هذة المجموعات وفى محافظات مثل ادلب واللاذقية وحلب لديها قدرة كبيرة على التنسيق الفعال سواء مع بعضها البعض او مع المجالس المحلية العسكرية الموحدة الى جانب انها مجهزة وبشكل متزايد بامكانات عسكرية تسمح لها بان تمثل تحديا جديا للقوات الحكومية فى تلك المناطق .
فى ذات الاطار وفى حين ذكرت اللجنة الدولية فى تقريرها ان مستوى العنف قد زاد بشكل درامى داخل وحول المدن الكبرى وبخاصة دمشق وحلب حيث تقدمت المجموعات المسلحة المناهضة للحكومة الى احياء قريبة من مراكز تلك المدن فقد اكدت اللجنة ان تلك المجموعات باتت تتواجد ايضا فى محافظات الرقة والحسكة وتقوم بالاشتباك مع القوات الحكومية. وقالت اللجنة انه مع زيادة حدة التوتر فى مختلف المناطق السورية فان ذلك قد ادى الى اشتباكات مسلحة بين جماعات مسلحة مختلفة على طول خطوط الانقسام الطائفى وهو ماتؤكده الوقائع على الارض فى المجتمعات الطائفية المختلطة فى مناطق سوريا وبخاصة حين تحاول المجموعات المسلحة المعارضة للحكومة السيطرة على مناطق تسكنها اغلبية من الاقليات الموالية للحكومة ولاسيما من العلويين والمسيحيين والذين شاركت لجانهم الشعبية المسلحة فى بعض العمليات العسكرية الى جانب قوات النظام فى ريف دمشق وحى التضامن والسيدة زينب حيث امدتهم الحكومة بالسلاح والزى العسكرى . من جانب اخر وفى الوقت الذى ذكرت اللجنة ان المجموعات المسلحة المعارضة للحكومة قد تمكنت فى الشهرين الاخيرين من الوصول الى مناطق استراتيجية هامة، حيث اصبحت قادرة على ان تمثل تحديا حقيقيا للقوات الحكومية فى مناطق تضم مراكز البنية التحتية الحساسة مثل حقول النفط والطرق السريعة الرئيسية والمطارات ومعسكرات الجيش وبما زاد من فرصها فى الحصول على السلاح حيث استولت على كميات كبيرة من الاسلحة من معسكرات الجيش فقد نوهت اللجنة الى ان ماتملكه تلك المجموعات المسلحة المناهضة للحكومة من اسلحة مضادة للدبابات وصواريخ مضادة للطائرات قليلة ومحدودة من حيث الكم والنوع لكنها فى الوقت ذاته كافية للتأثير على القوات الحكومية والحد من استخدامها لقواتها الجوية . وبينما قالت اللجنة فى احدث تقرير لها ان معظم المقاتلين الاجانب الذين يتوافدون الى سوريا للانضمام الى المجموعات المسلحة المعارضة للحكومة هم من السنة القادمين من بلدان الشرق الاوسط وشمال افريقيا وبما يزيد من حدة طائفية الصراع ويدفع جهات فاعلة اخرى الى الدخول فيه فان اللجنة اضافت ان اعضاء فى حزب الله الشيعى اللبنانى ووفقا لتصريحات مسؤولى الحزب يقاتلون ايضا الى جانب الحكومة السورية. ولفتت اللجنة الى تقارير تفيد بأن شيعة عراقيين قد توافدوا الى سوريا للمشاركة فى القتال الى جانب القوات الحكومية وان اللجنة تجرى تحقيقاتها حول تلك التقارير وحذرت من ان استمرار زيادة حدة الطائفية فى الصراع السورى يهدد بخطر حقيقى لتقسيم طائفى خاصة فى ظل مخاوف الاقليات السورية الطائفية الدينية فى البلد المضطرب . وأكدت اللجنة فى تقريرها انها مستمرة فى تحقيقاتها بشأن المزاعم التى تشير الى قيام القوات الموالية للحكومة بقتل الاشخاص من المسلحين وغير المسلحين بدون وجه حق لمجرد الاشتباه فى معارضتهم للحكومة، اضافة الى استمرارها ايضا فى تحقيقاتها حول اعتقال وتعذيب الاشخاص من الشبيحة حتى الموت من قبل بعض اعضاء المجموعات المعارضة. واكدت اللجنة من جانب اخر ان القنابل البرميلية التى تقوم القوات الحكومية بقصفها وكذلك الهجمات الصاروخية والقصف المدفعى قد زادت بشكل كبير، حيث سجلت اللجنة عددا كبيرا من الحوادث فى عدة محافظات سقط فيها ضحايا مدنيين.وقالت اللجنة إن كافة الادلة فى هذا الخصوص تشير إلى أن القوات الحكومية لم تقم باتخاذ الاحتياطات الكافية لتجنب الخسائر فى ارواح المدنيين واشارت اللجنة الى انها تجرى تحقيقاتها للوقوف على مااذا كانت تلك الهجمات العشوائية تنتهك قانون النزاعات المسلحة. كما ذكرت اللجنة ايضا انها تقوم بجمع الادلة فيما يتعلق بقيام بعض جماعات المعارضة المسلحة بعمليات اعدام باجراءات موجزة وذلك فيما يتعلق بعدد من الحوادث مثل تلك التى جرت فى حلب فى 10 سبتمبر الماضى وسابوك وراس العين فى 2 نوفمبر و29 نوفمبر الماضيين، حيث تم جمع الاسرى من الجنود الحكوميين واطلاق النار عليهم وفى حين اكدت اللجنة قيامها بجمع الكثير من الادلة فيما يتعلق باستخدام التعذيب ولاسيما فى مراكز الاحتجاز التى تديرها الحكومة فى دمشق فقد نوهت اللجنة الى ان شهادات من تم اجراء مقابلات معهم تشير الى وجود نمط ثابت ومنهجى للتعذيب وبما فى ذلك الاطفال الذين افادت شهادات تخص مركز المخابرات فى حرستا بان الاطفال المعتقلين فيه يواجهون نفس ظروف البالغين ويتعرضون للتعذيب ايضا . فى نهاية تقريرها قالت لجنة التحقيق الدولية المستقلة والتابعة للامم المتحدة ان حرب الاستنزاف التى لاحد لها والتى تدور فى سوريا قد جلبت الدمار والمعاناة للسكان المدنيين على اتساع القطر بأكمله فقد حذرت اللجنة من أن استمرار الصراع جعل الاطراف واكثر من اى وقت مضى اكثر عنفا وبما لايمكن التنبؤ به وبما ادى الى خرق متزايد للقانون الدولى. وشددت اللجنة على أن الطريق الوحيد للوقف الفورى للعنف فى سوريا لابد وان يكون من خلال تسوية تفاوضية سياسية تلبى التطلعات المشروعة للشعب السورى. كما اعربت اللجنة الدولية عن تأييدها بقوة لمهمة المبعوث الدولى العربى المشترك الاخضر الابراهيمى ومحاولاته لجمع الاطراف باتجاه التوصل الى تلك التسوية .