قال الروائي الصيني البارز مو يان، أول صيني يمنح جائزة نوبل أرقي جوائز الأدب في العالم، إنه يتذكر أديب مصر والعرب الراحل نجيب محفوظ وقت تسلمه الجائزة، منوها غلي أن علاقة الشعبين متأصلة في جذور التاريخ.. وأضاف: أثناء لحظات وأجواء عاصفة التصفيق والأضواء المبهرة خلال استلامي جائزة نوبل في الأداب بالعاصمة السويدية ستوكهولم، راودتني روح أديب مصر والعرب نجيب محفوظ الذي كان حاضرا في نفس الأجواء وبنفس المكان قبل سنوات عديدة، وتلقي نفس الزخم والفرحة العارمة ليس في مصر وحدها بل فى الصين التى تصف محفوظ بأنه أعظم أدباء القرن. ويقول الباحثون الصينيون إنه من الطبيعي أن يتذكر الأديب الصيني مو يان، أحد أعمدة الأدب العربي نجيب محفوظ تحديدا، خاصة لما يجمع بينهما من خصائص متشابهة، فكلاهما روائي شرقي حاز على شرف الفوز بجائزة نوبل في الأدب، كما أنهما يمثلان حضارتين عريقتين تربط بينهما علاقات قوية منذ قديم الأزل، إضافة إلى وجود قدر كبير من التشابه في مزاج الأديبين، وفي كتاباتهما وأعمالهما الرواية. وذكر تشونغ جي كون، الأستاذ في قسم اللغة العربية بجامعة بكين الصينية ورئيس الجمعية الصينية للأدب العربي والذي كرس نفسه للبحث في الأدب العربي وترجمة روائعه إلى اللغة الصينية منذ نصف قرن، أنه تقابل مع نجيب محفوظ عندما كان طالبا موفودا إلى مصر في بداية ثمانينيات القرن الماضي، حيث أكد له محفوظ أنه قرأ "الحوار" وهو من أهم الأعمال الكلاسيكية لكونفوشيوس، وكذلك نسخة إنجليزية من رواية "سائق عربة بشرية" للروائي الصيني المعاصر لاو شه، التي تأثر بها في أعماله .. موضحا أن هذه الكلمات أشعرته بسعادة كبيرة وقتها كون أدباء الصين هم أول من تنبأوا بحصول محفوظ على نوبل قبل منحها له بعامين . وقال تشونغ جي كون، إنه بالنسبة لكل من مو يان ونجيب محفوظ "فأن الأديبين يتسمان بطيبة القلب والتواضع والاجتهاد"، مضيفا أن كليهما يهتم بمعاناة عامة الشعب، ويلجأ إلى ما وصفه "الفن الماكر" للتعبير عن استنكاره للظلم بدلا من التعبير العلني الصارخ حيث لا يدخر جهدا في الإبداع. وقال لين فنغ مين، الأستاذ في نفس القسم بجامعة بكين، إن "مو يان يتسم بتواضع كبير مقارنة مع كتاب صينيين آخرين، إذ يحاول دوما أن ينأى بنفسه عن الخلافات التافهة على الساحة الأدبية الصينية، ولذلك يتسنى له الوقت لينكب على الكتابة .. مشيرا إلى أن نجيب محفوظ كان يتسم بالتواضع أيضا، حتى بعد نيله جائزة نوبل، إذ ظل محافظا على تواصله مع عامة الشعب والشباب المولعين بالأدب، حيث اتفق مع هذا الرأي شيويه تشينغ قوه، رئيس قسم اللغة العربية في جامعة اللغات الأجنبية بالعاصمة الصينية بكين وقال إن "كلا من الأديبين الصيني والمصري "عارضا الظلم والعنف والتطرف من خلال القلم" . وأشار شيويه إلى أن "محفوظ، الذي حصل على جائزة نوبل في الأدب عام 1988، تأثر كثيرا بالروايات الشعبية مثل "ألف ليلة وليلة" والفكر الصوفي الإسلامي، وقال " عندما قمت بترجمة (أصداء السيرة الذاتية) لنجيب محفوظ، أحسست الصوفية إحساسا قويا" .. موضحا أنه مو يان كان مثل محفوظ يستمع كثيرا إلى القصص الغريبة حول الجن والشياطين من المسنين في قريته، ما ساعد في خلق شئ من "الخيال" في أعماله. وفيما يتعلق بالمضمون والفكر وأسلوب الإبداع في أعمالهما، أوضح تشونغ جي كون، الذي حاز في العام الماضي جائزتين عربيتين بارزتين، هما جائزة الشيخ زايد للكتاب وجائزة خادم الحرمين عبد الله بن عبد العزيز العالمية للترجمة، أن "كلا من مو يان ومحفوظ "نهل من كنوز الأدب القومي التقليدي والواقعية شديدة المحلية، وفي الوقت نفسه استفاد من الأساليب الأدبية الأجنبية المتنوعة، ثم بدأ الإبداع بأسلوبه الخاص" . لكن الأكاديمي لين فنغ مين، أشار في نفس الوقت إلى تباين في أعمال الأديبين قائلا إنه "على الرغم من أن أسلوب إبداعهما يقوم على الواقعية، نجد أن الواقعية الجديدة لمحفوظ تشبه إلى حد كبير النمط الغربي ويبتعد عن "الخيال والخرافة"، أما أسلوب مو يان بعيدا عن "واقعية الخرافة" بكل معنى الكلمة، بل أعتقد أنه يدمج عوامل الواقعية والخيال والأدب الشعبي المحلي معا" . وفيما يتعلق بالفكر الذي يعبر الأديبان عنه في أعمالهما، اعتبر لين فنغ مين، أن "كلا من الأديب الصيني مو يان والمصري نجيب محفوظ، سجلا بشكل رائع لمآسي الحياة، لكن عميد الأدب العربي محفوظ يهتم أكثر بمآسي المثقفين والطبقة الشعبية، فيما يركز مو يان في أعماله على مآسي الفلاحين الصينيين، ولاسيما أهله في مسقط رأسه بمحافظة قاو مي بمقاطعة شاندونغ شرقي الصين" . وبمجرد أن أعلن عن فوز الأديب الصيني مو يان بجائزة نوبل في الأدب لعام 2012، تهافتت وسائل الإعلام العربية على تغطية هذا الحدث الثقافي الكبير، حتى أن بعضها بادر في إجراء مقابلات مع الأديب الصيني الذي قال إنه قرأ رواية "أولاد حارتنا" لنجيب محفوظ، وأعمالا مترجمة للروائي المصري جمال الغيطاني والشاعر السوري الشهير أدونيس، متمنيا أن يطلع الصينيون على الأدب المصري والعربي، الأمر الذي أثار صدى كبيرا لدى القارئ المصري والعربي، الأمر الذي توقع معه البعض أن تحتل أعمال مو يان مكانة بارزة في العالم العربي، خاصة بعد البدء فى ترجمة أعماله والتى بدأت فى مصر بترجمة رواية "الذرة الرفيعة الحمراء" . كما توقع الأكاديمي الصيني لين فنغ مين، الذي كان يشغل منصب مستشار شئون التعليم بسفارة الصين لدى مصر، أن "تجذب أعمال مو يان بعض المولعين العرب بالأدب، حيث أن العالم العربي دائما ما يهتم بالثقافة الصينية، على الرغم من أن الثقافة الغربية ما تزال تحتل مكانة أكبر في العالم العربي". وأضاف لين: أنه "مع التزايد الواضح في عدد أقسام اللغة الصينية والطلاب الذين يدرسون اللغة والثقافة الصينية في الجامعات المصرية والعربية، فأنه من الطبيعي أن تؤدي ترجمة وطباعة أعمال مو يان إلى اللغة العربية لدفع التبادلات الثقافية الصينية - العربية إلى أفاق جديدة".