العنوسة الثقافية.. وصف على الرغم من غرابته يوفي وبكل وضوح المعنى الحقيقي لحال الكتب في مصر،فبما أننا طبعاً بكل تهكم شعب مثقف بطبعنا والقراءة إدمان في دمنا فأصبح تراكم الأتربة على الكتب كمثل غشاء البكارى يدل على عذرية الكتب المصرية " لم يلمسها أحد "، لتصبح الكتب مجرد زينة على الأرفف في البيوت و كتب المدارس تسلم اخر العام تماماً كما تم استلامها في بدايته لأننا بالطبع شعب تعود على اختصار المعلومة عند شرحها منذ عهود " الكي جي وان " . لتتنافس الكتب فيما بينها حول من يتمكن من اصطياد العريس الذي يقرأها، ولكن منذ انطلاق صفارة مباراة ثورة يناير وجد الجماهير أنفسهم في حالة استفاقة سياسية واجتماعية وانتشار لفيروس الوعي الثقافي لدى الناس، فهنا يطرح السؤال " هل وصل هذا الفيروس لكتب الرصيف ؟ " وفي حالة الاجابة بنعم فما الكتب الأكثر مبيعاً منذ الثورة ؟ " . وللإجابة على هذا السؤال الأخير نزلنا لشوارع مصر وتحديداً شارع طلعت حرب بميدان التحرير لنجد في استقبالنا العديد من فرشات الكتب المعروضة للمارة فتوجهنا بالسؤال لأحد بياعي الكتب ،" منها لله الثورة خلت سوق الكتب ينام " هكذا كان رد من رفض ذكر اسمه ومن اعترض في باديء الأمر أن يتكلم معنا بحجة " أنا مبحبش اتكلم أو اتصور مع الصحافة والإعلام " ولكن بعد محايلات اقتنع بمبدأ الدردشة الصحفية فقال بأنه قد ورث هذه الفرشة عن جده الذي أسسها منذ ثورة يوليو عام 1952 ومن ثم توارثتها العائلة إلى والده حتى وصلت إليه، مفسراً نوم سوق الكتب بأن السحب عليها من قبل القراء كان يسري على جميع أنواعها باختلاف أفكارها قبل الثورة، ولكن منذ جمعة الغضب الأولى والتغير السياسي في البلاد أصبح الإقبال على القراءة أقل بل وأصبح محدوداً في بعض الكتب الدينية للشيخ الشعراوي والشيخ محمد حسان وخاصة كتابه أحداث النهاية وأيضاً كتب الإمام الغزالي، وكذلك لاقت الروايات الحديثة مبيعات غزيرة وخاصة للمؤلفين أمثال أحمد مراد وأحمد خالد توفيق ويوسف زيدان، في ظاهرة أكثر ميلاً باتجاه القراء للكتب الدينية والروايات الواقعية بعد الثورة . ومن ثم اتجهت عيوننا إلى فرشة أكبر بقليل من سابقتها لنلتقي ب"إمبراطور وسط البلد محمد باشا أبو حتاتة "هكذا عرف نفسه بعدما استقبلنا بترحاب العائد من السفر بسعادته بالتسجيل والتصوير معنا نظراً لاهتمام الصحافة للبياعين الغلابة " اللي بيثقفو الناس" على حد قوله، أبو حتاتة الذي يعمل عالفرشة منذ انطلاق الثورة قال " الناس بعد الثورة بقت تتثقف أكثر "، موضحاً أن قبل ثورة يناير لم يكن الإقبال عالقراءة بالمذكور سوى على بعض مؤلفات نجيب محفوظ ومصطفى محمود وأشعار صلاح جاهين ومحمود درويش، ولكن بعد الثورة أصبح اتجاه القراء أكثر ثقافة وتنوعاً خاصة فيما يتعلق بالسياسة والواقع، فكانت الكتب الأكثر مبيعاً من نصيب الروائيين أحمد مراد وأحمد خالد توفيق وحتى كتب الفنانين أمثال الفنان أحمد حلمي، بالإضافة إلى مؤلفات يوسف زيدان وستيفين كوفي، وعند سؤاله عن الكتب الدينية أجاب بما يناقض من قبله " الكتب الدينية معلهاش سحب " إلا أن المفاجأة كانت بقوله " الإقبال أكبر على كتب مباديء وأصول الشيعة " . أغلب الباعة في الشارع يتفقون مع الامبراطور في أن الثورة جذبت القراء نحو المواضيع السياسية التي كانت تهمل في الماضي، لنجد من كل هذا تنوعاً في الآراء والأذواق لدى القراء ممن يتخذون من الرصيف وجبات تثقيفية دسمة بسعر أٌقل من المكتبات ودور النشر، فلثورة بمفعولها السياسي والاجتماعي القوي كانت لها بعض الاثار الجانبية متمثلة في تفتح عقول المصريين لفهم مايدور حولهم من تطورات، لتجد بذلك عوانس الكتب بيتاً "تتستت فيه" بين أيادي قارئيها.