«رجعوا التلامذه يا عم حمزة للجد تانى.. يا مصر إنت اللى باقية وانت قطف الأمانى».. من الطبيعى أن ترى فى الصباح طالب مدرسة يرتدى زيه المدرسى ويحمل على كتفه حقيبته، يخرج أمام أهله على أساس أنه ذاهب إلى مدرسته لتلقى العلم، لكن بمجرد خروجه من منزله يتخذ قرارا بتغيير وجهته. كان ذلك لأغراض كثيرة منها الخروج مع بنت الجيران من وراء الأهل، أو للعب كرة القدم مع الأصدقاء فى الساحة، أو لدخول السينما لحضور الحفلة الصباحية بها. لكن فى مثل هذه الأيام من العام الماضى كان يهرب الطالب من مدرسته ليتوجه إلى مكان مختلف، بغرض أن يلقى المجهول فى شارع محمد محمود. «سمعت إن فيه اشتباكات فى محمد محمود، فاتخذت قرارى»، هكذا بدأ الشاب الصغير عمر عبدالصبور كلامه، سنه ليست أصغر بكثير من محمد جابر أو «جيكا» شهيد أحداث محمد محمود الثانية، بينما كان عمر ملتحقاً بالمرحلة الأولى من الثانوية العامة «علمى رياضة» أثناء الأحداث الأولى. يضيف عمر: «لبست هدوم المدرسة ونزلت عشان محدش يشك فى البيت، على أساس انى رايح المدرسة وبعدها الدرس، لكنى رحت على شارع محمد محمود.. فى اليوم التانى الشرطة العسكرية نزلت الميدان وبدأت تضرب فى الناس، ضربتنى ضرب مبرح، لما روحت البيت صعبت عليا نفسى من كتر الضرب اللى شفته، ومقدرتش امسك نفسى وفضلت اعيط جامد، ومحدش فى البيت كان عارف أنا باعيط ليه». الغريب أن أسرة عمر لم تكتشف هروبه من المدرسة واشتراكه فى أحداث محمد محمود الا بعد أن أصيب بطلقة خرطوش فى أعلى قدمه، يقول عمر: «فى البداية كانت والدتى شاكة فى الأمر، لأنى كنت برجع مرهق بشكل كبير بسبب الغازات المسيلة للدموع، لكنها اتأكدت هى ووالدى بعد ما اتصبت بطلقة خرطوش»، وأضاف: «طبعاً والدتى زعلت منى، أما والدى فوصل الأمر بيه إنه ضربنى من خوفه عليا». فضل عمر وقتها أن يكون من المشاركين فى الصفوف الأمامية أثناء الأحداث، حيث تعود بشكل كبير على الغازات المسيلة للدموع التى كانت تطلق على المتظاهرين بشكل مباشر، يقول «أثناء وجودى فى الصفوف الأمامية، اتعرفت على أحد الأعضاء فى حركة مينا دانيال، اللى علمنى إزاى أتعامل مع الغاز من غير ما احتاج للبس الكمامة»، تابع : « نصحنى إنى أشم الغاز لحد ما اتعود عليه، وفعلاً عملت كده وعودت نفسى لدرجة إنى وصلت لدرجة انى بقيت أستحمله من غير ما احتاج للبس الكمامة». على الرغم من أن عمر كان فى المرحلة الاولى من الثانوية العامة، فإن اهتمامه بما يمر به البلد وقتها، كان أهم من أى شىء حتى لو كان الثانوية العامة، يقول «كان أهم حاجة عندى وقتها البلد، وكنت باتمنى انى أستشهد، لدرجة انى كنت عامل لنفسى صورة بشارة سودة، وقلت لصحابى لو مت ماتتعبوش نفسيكو الصورة بتاعتى جاهزة». وتساءل عمر فى نهاية حديثه قائلاً «فين حق الشهداء اللى ماتوا فى محمد محمود؟، وليه الظباط اللى اتصوروا صوت وصورة وهما بيقتلوا المتظاهرين ماتحكموش لحد دلوقتى؟!».