هناك حكمة عظيمة يؤمن بها المصريون، وقد تعتبرها أسلوب حياة لكل المواطنين البسطاء، من أيام إخوانا الحكام الفراعنة، حتى عصر إخوانا الحاليين، وهى: «ربك مابيسيبش حد ينام من غير عشا».. والإيمان العميق بهذه المقولة من قبل مسئولينا العظام جعلهم يطوفون العالم شرقا وغربا، ليتسولوا على شعبنا العظيم قرض من هنا على منحة من هناك، على هدية من ذاك أو هبة من تلك، وحسنة قليلة تمنع بلاوى كتيرة، والشعب كل ما يبحث عنه هو الستر والصحة، وكلما سمع عن أزمة وقود أو أزمة غذاء، يردد إن ربك مابيسيبش حد ينام من غير عشا .. ياواد يامؤمن !! ففى ظل حكومة السيد قنديل الرشيدة، يقترح العبد الفقير عليه اقتراحا سيتطابق كثيرا مع سياسة وخطة حكومته، ألا وهو استحداث وزارة جديدة تحمل اسم «عشانا عليك يارب» !! وتتلخص مهمة هذه الوزارة فى توفير الأكل والشرب الذى يسد الرمق فقط للشعب الكادح المؤمن، وهذا لأنك لن تجد أحد على وجه البسيطة أرحم من ربنا بعباده، فالبشر معظمهم منزوع من قلوبهم الرحمة وخالية من الشفقة وهذا إن كانت لديهم قلوب من أساسه ..! فتجد أصناف من البشر لا يمتلكون قلوب وإنما حجارة صماء لا بتحس ولا بتشم ولا حتى عندها دم يتحكمون فى مقاليد الأمور، وكله بييجى على دماغ المواطن البسيط لأنه تقريبا هو الحيطة الوحيدة المايلة فى البلد، إذا اعتبرنا إن بلدنا فيها حاجة معدولة ! والمواطن يا عينى غلبان محتاج لشوية التموين اللى بيتصرفوا كل أول شهر عن طريق البطاقة الممغنطة، وبالرغم من الغنى الفاحش اللى احنا فيه بمواردنا الكتيرة، البلد حالها نايم والشعب مستنى شوية رز واتنين كيلو سكر وعلبتين شاى من نوع يتشرب، والحمد لله ربنا أنعم علينا كشعب غلبان بمعدة تفرم الحديد. الغريب على أراضينا الخطط الطموحة، التى لا تثمر عن نجاح أبدا وإنما فشل مكلل بإحباط فالواسطة والمحسوبية لها دور فعال فى صرف خمسة أرغفة، والرغيف فى حجم حبة البسكويت من نوع راسكو حركات ! لا يكفى لإفطار طفل صغير ولا أدرى ما السبب فى هذا الإقبال الشديد على هذا النوع من الخبز الذى لا يسمن ولا يغنى من جوع، أعتقد أن السبب هو قيمة الحديد المتمثلة فى المسامير الموضوعة بنسبة كبيرة فى الخبز، وطبعا لأن الحديد دائما سعره فى الطالع وصحة الإنسان فى بلدنا فى النازل وأجسامنا فى حاجة للحديد، فتجد التهافت والقتال من أجل الحصول على الرغيف المدعم. ولأن اللى فيه داء لا يمكن يسلاه فالشعب قد اعتاد الوقوف فى الطوابير فتسمع فى وسائل الإعلام عن وفرة فى إنتاج الخبز والسلع التموينية والعدالة فى توزيع الدعم وكلام «مجعلص» يصعب على أمثالى فهمه، فيبدو أن الشعب قد اعتاد وقفة الطوابير فأصبح كل مواطن يشترى الخمسة أرغفة من الخبز المدعم ويذهب بهم ليقف فى الطابور .. لماذا ؟ أعتقد أن الشعب قد اعتاد الشقاء والتعب ويمكن عايز يرجّع رغيفين من الخمسة المقررين له لأنهم هيفيضوا عن حاجته ويتبرع بهم للحكومة الغلبانة اللى بتقطّع من جتتها عشان شعبها يعيش فى رفاهية ! والوزارة الجديدة ستوفر فول من النوع المخصوص، لأن بدونه البلد تقف أو تهنج أكتر ما هى مهنجة ولا تتحرك عجلة واحدة لقدام ولكن بالرغم من توافر الفول الذى هو عماد النهضة وانتشار عرباته فى شوارع بلدنا، إلا أن البلد حالها واقف والناس فصلت شحن وسيطر عليهم نوع من الدهشة والاستغراب والتوهان، فتجد المواطن يسير بالشارع ساهما مزبهلا شاخصة عيناه إلى السماء، وقد يتحدث المواطن مع نفسه فى الشارع ويؤنبها وقد يزجرها ويؤدبها وقد يسبها ويلعنها، فما السبب هل هو السوس المفوّل أم الحكومة أم النهضة ! فوزارة «عشانا عليك يارب» مهمتها أن تجعل الأكل والشرب فى متناول الجميع وبأسعار زهيدة، والتموين يكون من النوع الفاخر ليليق بنا كمواطنين محترمين ورغيف العيش سنجده «بخمسة قروش» والرغيف فى حجم الفطيرة المشلتتة، ومن الممكن أن يقوم السيد الوزير بإصدار قرار بتدليع الشعب ويصرف فسفور للمواطنين على بطاقة التموين لزوم المسائل.. ولا تقلق إن اكتشفت بعد ذلك أن السمك من النوع المسرطن !! فحجة الوزير ستكون أنه خشى أن يفرط الشعب فى المسائل إياها، فيحدث انفجار سكانى وتزيد الأعباء على الحكومة فالسمك إياه هيقضى على المسائل تماما، وقد يقضى على المواطن نفسه ! ولكن تقدر تقول عذر أقبح من ذنب، والشعب سيد قراره، والقرار سيكون عبارة عن جمع كل العاملين بالحكومة وأصحاب النهضة فى مكان مفتوح أو ميدان كبير كميدان رمسيس ! وتعد سفرة كبيرة من النوع الفاخر ويجلس جميع المسئولين على - الترابيزة - وأمامهم ما لذ وطاب من الأطعمة والأسماك المسمومة، وهذا بجانب الخبز العامر بالحشرات ويبدأ الجميع فى الأكل و- اللهط - فى الفسفور لتفيض أرواح مسئولينا جميعا فى لحظة واحدة إلى السماء ليرتاح الشعب الغلبان وباى باى يانهضة !.