هند نافع، فتاة ريفية ثارت على الفساد بكل أنواعه.. رفضت الظلم وطالبت بتطبيق العدالة حتى قبل عصر الثورة.. أتمت يوم الأول من نوفمبر عام 2012 عامها الرابع والعشرين، وللصدفة العجيبة، هو نفس يوم مولد المشير «محمد حسين طنطاوى»، عدوها الأول، على حد وصفها. بسؤالها عن مصادفة يوم مولدها وتزامنه مع يوم مولد «طنطاوى»، قالت بشجن: «لقد فوجئت بهذه المصادفة البشعة، لأنى رافضة وجوده على قيد الحياة حتى اليوم». تروى «هند»: «لقد تم اعتقالى من قبل الجيش فى عهد طنطاوى، خلال الفترة الانتقالية التى دامت عامًا ونصف العام، بعد أحداث مجلس الوزراء مباشرة، ومن دون أى تهمة واضحة. وكانت تهمتى حب مصر، ولأننى هتفت: «عيش.. حرية.. عدالة اجتماعيه»، تحوّلت لبلطجية بنظرهم». وتواصل حديثها: «بعد اعتقالى قاموا بتعذيبى لمدة 16 ساعة متواصلة.. وبعد إصابتى بكل أنحاء جسدى لاحظت أننى أنزف بشدة.. تم ترحيلى للمستشفى العسكرى، وكبلونى من يدى فى السرير، وبت ليالى أنزف وأصرخ من شدة الألم. وكانت معاملتهم معى قاسية جدًا حتى أنهم قاموا بتضميد جراحى من دون تخدير، استكمالا لتعذيبى». وتضيف: «ظللت أصرخ وأستغيث بالأطباء والممرضات، وأطلب المسكنات، لكن لم يستجب أحد من أطباء الجيش الشرفاء لنداءاتى، حتى جاء اليوم الذى فوجئت بهم يعطوننى الأدوية المسكنة، وقاموا بتغيير ملابسى وتحسين مظهرى، استعدادًا لزيارة المشير طنطاوى». عندما رأت «هند» هذا المشهد أمام باب غرفتها، وجدت نفسها تصرخ دون تفكير بعبارات عشوائية تعبر عن شعورها التلقائى وشعور كل سجين مظلوم، وصاحت فى «طنطاوى» قائلة: «اطلع بره، حقنا وحق الشهداء فى رقبتك». ظلت تصرخ حتى فقدت الوعى تقريبًا، وسرعان ما هرب من أمامها، ولم يستطع دخول الغرفة من شدة الصراخ، كما وصفت. وتتابع: «رغم كل ما عانيته ولاقيته من انتقادات وهجوم من أهلى، بحكم أنهم من الريف، ولا يعترفون بالمرأة الثورية، إلا أنى لست نادمة على ما فعلته، بل أشعر بأنه أقل بكثير مما كان بداخلى من حزن وكراهية أحملها لهذا الشخص». هند تم اعتقالها العام الماضى بعد ذكرى مولدها مباشرة، بدأت عامها ال23 بمعركة شرسة مع طنطاوى، وقضت أسبوعين من عامها الجديد فى معتقل الجيش بين الإهانة والتعذيب وتوجيه تهم باطلة. وأنهت هذا العام المحمل بكل الأسى لتبدأ عامها ال24 بقوة وإصرار على حقها فى البراءة، حتى أنها رفضت قرار العفو الرئاسى الصادر من الرئيس محمد مرسى، وتبرر ذلك بأنها ليست متهمة ولا تريد عفوًا بل تريد براءة من كل التهم الموجهه لها. «رغم كل ما عانيته من ألم وظلم من المجتمع وأهلى، بعدما قسوا علىّ بسبب توجيه تهم باطلة لى، لم أيأس لأن روح الثورة كانت أقوى منك ومن الرصاص والبيادة. ظلمك لم يكسر مصريتى، بل زاد من إصرارى وإيمانى بالحق، وسأظل محاربة للفساد حتى أثبت للعالم أن المرأة الريفية لها كيان، وسوف أصبح أنا نموذجًا للمرأة الريفية التى تحدت الظلم والفساد والمجتمع الفلولى وأفراده غير المتقبلين لفكرة المرأة الريفية الثورية. أتمنى العام القادم أن أراك فى زنزانة، وأن يطيل الله عمرك حتى نعاقبك ونحاكمك على جرائمك.. وأخيرًا أنا غير معترفة بعيد ميلادى هذا العام.. يوم ميلادى الحقيقى هو يوم عندما أحصل على حريتى».
نوفمبر.. الشهر الذى جمع مولد «هند» الثائرة و«طنطاوى» المطارد بتهمة قتل الثوار.. هو أيضا شهر ذكرى موقعة «محمد محمود» الشهيرة.. قرر الثوار والناشطون السياسيون توجيه تهنئة من نوع خاص لمن كان يتولى حكم البلاد فى وقت الموقعة.. حيث قال الناشط أحمد دومة: «كان يوم أسود يوم ما جيت".. وأكمل: «يوم ميلادك القادم لن يأتى إلا وأنت تحتفل به مع رفاقك داخل زنزانة طرة، أو نحتفل نحن الثوار بإعدامك فى نفس اليوم». ورفض الناشط السياسى علاء عبدالفتاح تهنئة «طنطاوى».. وقال: «لا حديث مع «سفاح مجرم».. وكى أوجه له رسالة يجب أن يكون بشرًا أولًا.. مكانك فى السجن يا طنطاوى». مهند سمير، طالب الثانوية العامة، الذى حوّله الظلم من شاهد فى قضية أحداث مجلس الوزراء إلى متهم، اعتقل لمدة 10 أشهر تقريبًا وهو مصاب فى قدمه، وتم الإفراج عنه منذ أسبوع فقط، قالت والدته: «أهنئك كثيرًا على ما تركته بجسد ابنى وروحه من جراح لم ولن تشفى. لقد طعنت مهند طعنة لن ينساها». محمد عبدالغنى، سجين حربى وعضو مؤسس بحركة ضباط 8 أبريل، هو البطل الذى تصدى لقائد الشرطة العسكرية السابق «حمدى بدين» عندما حاول منع جنازة شعبية للشهيد «محمد محسن» فى ميدان التحرير، قال: «إلى القائد العام للقوات المسلحة (سابقا): كل سنة وأنت قاتل وظالم وفاسد وسارق، والدم غارقة به يداك، دم الشعب ودم أبناء الجيش، دمك كمان هايتفرق على إيد الشعب والجيش». أحمد حشمت، محامٍ حقوقى، وأحد أعضاء حملة: «حاكموهم»، قال: «هذه المناسبة كنا ننتظرها، لكى نهنئ طنطاوى بعدد الجثث اللى دفناها فى عهده.. وعدد العيون اللى راحت فى نوفمبر اللى فات، وبعدد فقراء الشعب الذين وثقوا فى الفترة الانتقالية، وأصبح مصيرهم غير معروف حتى اليوم».