« مشتاقين يا ناس للبيت.. لنبع الحبايب.. لبلاد النخيل والغيط.. هيعود اللى غايب.. مشتاقين يا ناس لبلاد الدهب.. الله يجازيكى يا غربة.. الله يجازيك يا فراق».. خليط من السعادة والشوق ارتسم على وجوههم وهم يرددون كلمات هذه الأغنية على أنغام الدف فى أثناء رحلة أبناء النوبة المهجرين السنوية بالقطار الذى يعيدهم إلى أرض الذهب. ترجع فكرة قطار النوبة إلى ما بعد التهجير، عندما قام الرئيس الراحل جمال عبدالناصر بتعويض أهالى النوبة عن معاناة التهجير بتوفير ثلاثة قطارات لهم كل عام قبل أيام العيد حتى يتجمع أبناء النوبة فى المدن المختلفة مع أهاليهم الذين بقوا فى قرى تهجير نصرى النوبة، ويقضون معهم أيام عيد الأضحى المبارك، ويتم ذلك من خلال التنسيق مابين هيئة سكة حديد مصر وبين الهيئات النوبيه، من «هيئات وأندية». وفى يوم الرحلة الذى يواكب الثامن من شهر ذى الحجة من كل عام، يحضر النوبيون إلى المحطة بزيهم النوبى ويتم توديعهم رسميا، وفى أثناء الرحلة لا تكاد تتوقف الأغانى والرقصات النوبية على متن القطار، وعند الوصول يستقبلهم أهالى النوبة بالاحتفال والتهليل لقدومهم. وعلى الرغم من استمرار هذه العادة حتى يومنا هذا فإن هناك محاولات دائمة لتقليل عدد العربات من قبل الدولة، ففى السنوات السابقة تم التقليل من ثلاث قطارات إلى قطارين، واستمرت المحاولات بعد ثورة 25 يناير، ففى الآونة الأخيرة تم تقليل عدد عربات القطار الواحد المكون من 16 عربة، إلى 15 عربة، الذى كان مخصصا فى السابق عربة لكل قرية. « احنا بنستنا الموضوع ده من السنة للسنة» قالها محمد كارة ، شاب فى العقد الثانى من عمره، ولد فى القاهرة ، ولم ير النوبة القديمة ولم يشعر مثل آبائه بمرارة ووجع الهجرة من أرض أجداده، لكن عشقه لأرض الذهب يجرى فى شريانه مجرى الدم، «محمد» تطوع بأن يكون مشرفا على عربة القطار الموجود بها أهالى قريته، قرية «قتة». يصف محمد «القطار بشكل عام مش آدمى، يعنى مش متوافر فيه أى خدمات نظرا لأنه قطار مدعم من الدولة، لكن احنا كمشرفين بنحاول قبل طلوع القطار بساعات، أننا نراجع كل عربية من عربيات القطار اثناء وجودها فى المخزن، وبنشوف الشبابيك سليمة ولا لا، والحمامات نظيفة ولا لا ، بالاضافة للتأكد من وجود المياه» وتابع محمد « يعنى مثلا احنا المرة دى غيرنا ست عربات غير صالحة للسفر»، مشيرا إلى أن تقليل عربات القطار أدى إلى التزاحم داخل كل عربة يقول محمد «القطار ده هو الحاجة الوحيدة اللى بتجمعنا مع بعض، وبرغم كل المشكلات الموجودة فى القطار إلا أن الألفة والمودة اللى بنشعر بيها اثناء تجمعنا فى القطار بيخلينا ننسى أى مشكلات بنواجهها». وأعرب محمد عن سعادته بالعودة إلى أرض الذهب قائلا:«إحساس مختلف لما تلاقى نفسك بترجع لوطنك وأرضك حتى لو كانت أراضينا وبيوتنا غرقت لما اتبنى السد العالى، لكن يكفينا اننا نرجع على ضفاف البحيرة، واصفا النيل بقوله: «النيل ده شريان حياة بالنسبة لينا، هو تراثنا وتاريخنا، وحتى بشرتنا وخده من لون طميه». وعن مراسم الاحتفال فى أراضى النوبة قال:«أول يوم بعد صلاة العيد كلنا بنتجمع علشان ندبح الدبايح، وأول شخص بندبح عنده هو اللى بنتجمع كلنا ونفطر عنده، بعد كده فى كل اللى عنده مناسبة حلوة بيحتفل بيها فى أيام العيد زى الخطوبة والجواز وغيره، ده غير اننا بنعمل رحلات جماعية للاستمتاع بمعالم النوبة وأسوان».