باع إدلب وقبض الثمن.. وما يحدث مجرد مشهد سينمائى منه معارض سورى يكشف إرسال أردوغان للمرتزقة إلى ليبيا بعد صفقته فى سوريا تهديد ووعيد يحمله رجب طيب أردوغان هذه الأيام تجاه أوروبا، ففى العديد من التصريحات كرر الرئيس التركى كلماته بشأن اللاجئين، وهو ما استدعى التساؤل حول فرص رضوخ أوروبا لتهديدات أردوغان بتلك الورقة المهمة، ومنه ظهر تساؤل آخر حول تنازل أنقرة عن إدلب بموجب تفاهمات مع روسيا، تأمينا لحدودها شرق الفرات مما يقول عنه أردوغان إنه خطر كردى، أم أن ذلك كان مقابل تفاهمات جديدة بعد محاولته التدخل فى الشأن الليبى؟
الصمت التركى عن الحملة العسكرية للجيش السورى النظامى أزعج المتحدث الرسمى باسم هيئة التفاوض السورية وعضو اللجنة الدستورية عن المعارضة السورية يحيى العريضى، الذى أبدى عدم تفهمه للصمت التركى تجاه عملية التصعيد العسكرى التى تشنها قوات النظام السورى وروسيا على إدلب الواقعة شمال غرب سوريا.
هذه الأسئلة بلورتها منظمة «مديكو» المهتمة بالدفاع عن حقوق الإنسان، ودفعها للتعبير عن رفضها الشديد لاتفاقية اللاجئين بين الاتحاد الأوروبى وتركيا، وكان ذلك قبل زيارة المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل إلى تركيا يوم الجمعة الماضى. وفى تصريحات ل«رامونا لنتس» مسئولة اللجوء والهجرة بالمنظمة، قالت: «إن الاتفاقية التى تعود لعام 2016 تعد كارثة فريدة من نوعها فيما يتعلق بحقوق الإنسان واللاجئين، فنحن نرى انتهاكات لحقوق الإنسان بقدر ما تراه العين»، لافتة إلى أن هذا مرغوب فيه سياسيًا من أجل ردع مهاجرين، ويتحمل الاتحاد الأوروبى بشكل مباشر أو غير مباشر المسئولية السياسية عن الاعتداءات التى يقوم بها خفر السواحل التركى على قوارب لاجئين، وكذلك عن المخيمات المزدحمة فى الجزر اليونانية. والجدير بالذكر أن جزر يسبوس، خيوس، وساموس فى اليونان عانت إضرابًا عامًا يوم الأربعاء الماضى احتجاجًا على اكتظاظ المخيمات بالمهاجرين. واستكملت لنتس أن أوروبا جعلت نفسها عرضة للابتزاز من خلال هذه الاتفاقية، ودعت لإيجاد «أساس سياسى من أجل إعادة استقبال لاجئين ومهاجرين من مناطق تسودها الحرب والبؤس، وتوزيعهم فى أوروبا»، وأكدت أنه يتعين على أوروبا ألا توكل مسئوليتها «لليونان ولا لتركيا». وذلك من خلال الاتفاقية التى تم التصديق عليها فى 2016، وتنص على السماح بإعادة كل مهاجر وصل إلى الجزر اليونانية بشكل غير مشروع، إلى تركيا مجددًا، كما أنه من شأن السلطات التركية منع المهاجرين من العبور إلى اليونان. كما أنه تم الاتفاق أيضًا على أن يدفع الاتحاد الأوروبى ستة مليارات يورو لأجل تحسين ظروف المعيشة للاجئين السوريين فى تركيا. وفى نفس الوقت وقبل أيام خرج أردوغان بتصريحات، قال فيها إن بلاده لا يمكن أن تتحمل بمفردها عبء موجة هجرة جديدة من إدلب السورية، وإن بلاده تبذل قصارى جهدها بالتواصل مع روسيا لإنهاء الهجمات على إدلب، بعدما بدأعشرات الألوف الهجرة تجاه الحدود مع تركيا، وأن هذا وضع لا يمكن لتركيا أن تتحمل عبئه بمفردها، وانعكاسات ضغوط موجة الهجرة نحو تركيا ستؤثر على جميع البلدان الأوروبية وخاصة اليونان.
وأوضح أنه فى هذه الحالة لا مهرب من تكرار مشاهد الهجرة إلى أوروبا قبل اتفاقية مكافحة الهجرة بين تركيا والاتحاد الأوروبى فى 18 مارس 2016. وتابع قائلا: «دول صاحبة إمكانات مادية أكبر منا بكثير حددت استقبال عدد معين من اللاجئين، بينما تركيا استقبلت جميعهم دون تمييز بين أديانهم وأعراقهم ولغاتهم». ومع بداية يناير الحالى، تفاقمت الأوضاع بمحافظة إدلب أمنيًا وإنسانيًا يومًا تلو الآخر جراء القصف البرى والجوى المكثف الذى تتعرض له، ومعه تزايدت الأسئلة والشبهات حول صمت تركيا إزاء ما يحدث على أرض تلك المحافظة والتى تعد آخر معاقل المعارضة السورية، فرسالة أنقرة الرئيسية اكتفت فقط بتهديد وتخويف دول أوروبا بموجات جديدة من النازحين السوريين، دون أى حديث حول مسئولية روسيا عما يتعرض له أهالى إدلب. النائب السابق بهيئة التفاوض السورية خالد المحاميد، وصف المتطلعين لأى دور للجيش التركى لمواجهة التقدم الروسى وإنقاذ أهل إدلب برواد «عالم الأوهام، فقال فى تصريحات صحفية إن إدلب تقتل.. وأردوغان يكرر مشهده السينمائى بتهديد الأوروبيين بالنازحين أو جحافل البرابرة الذين سيغزون شواطئهم كما يصورهم، ومع بدء العملية الأخيرة فى إدلب لم يعد أمام أردوغان سوى توجيه رسائل للاستهلاك الإعلامى فيما يتعلق بالتشاور مع الروس لإيقاف الضربات والقصف، أو تصريحات قياداته بالإبقاء على نقاط المراقبة التركية بالمحافظة، بالطبع طول هذا الإبقاء يتحدد وفقًا للسعر الذى سيعرض عليه مقابل إخلائها». وفند المعارض البارز الأسباب التى دفعت تركيا للتخلى عن إدلب رغم أن ذلك يحرمها من نفوذ استراتيجى مهم داخل سوريا بالمستقبل، موضحًا «أعين السلطان العثمانى باتت مركزة بالقفز على الفرصة الراهنة فى ليبيا وشواطئ البحر المتوسط الجنوبية عبر إنقاذ رئيس حكومة الوفاق فايز السراج الذى يغرق ويحتاج إلى أى حبل للنجاة، ووجد ضالته بالسلطان العثمانى، وما سيوفره له من سلاح ومرتزقة.. كما أن إدلب اليوم ليست من ضمن المناطق الجاهزة التى يحتاجها أردوغان اليوم لإعادة اللاجئين السوريين فى بلاده إليها، خاصة مع تصاعد التوتر والضغط الشعبى التركى ضدهم، موجها انتقادات حادة لمؤسسات المعارضة السورية المتعاقبة، محملًا إياهم جزءًا من مسئولية المأساة التى تعيشها المحافظة اليوم. وأضاف: «لقد تجاهلوا نداءاتنا وتحذيراتنا كمعارضة وطنية من خطورة الفصائل المسلحة والجهادية التى تبادلت السيطرة والتلاعب بمقدرات إدلب خلال سنوات الثورة الأولى، والتى كان أغلبها ممولًا قطريًا ومدربًا بتركيا، كما تجاهلت القيادة الراهنة لتلك المؤسسات فى السنوات الأخيرة تحذيراتنا من خطورة تحول إدلب لإمارة وملجأ لكل المتطرفين من كل أنحاء سوريا لقد حولوها لقندهار جديدة وتم وصمها وأهلها بالإرهاب.. ونحن الآن نسأل من ملأوا آذاننا بالحديث عن الخيرات والمساعدات الإنسانية القطرية والتركية أين الجميع مما يعيشه أهل إدلب من كارثة إنسانية والنزوح والمبيت بالعراء والتواجد بأشباه المخيمات فى ظل موجات الصقيع، فضلًا عن الحدود التركية المغلقة بوجوههم». المحاميد - المستقيل من موقعه نهاية عام 2018 اعتراضًا على سلوك مؤسسات المعارضة طبقا لقوله - استنكر ما يفعله بعض قيادات المعارضة بتصوير أنفسهم بموقف المتفاجئ من الخطوة التركية بتجنيد مقاتلين سوريين وإرسالهم كمرتزقة إلى ليبيا، وقال: «الكثير من قيادات المعارضة حملوا الأعلام والرموز التركية بأكثر من محفل، ولذا فليس بمستغرب أن تتحول الفصائل إلى مرتزقة عند الأتراك ويحملون العلم التركى بلا خجل فى معاركهم بالداخل السورى.. اليوم أردوغان يقدمهم للعالم أجمع فى صورتهم الحقيقية كمرتزقة لمن يدفع الثمن سواء ليبيا أو غيرها، فأين المفاجأة؟! تلك الفصائل فقدت شعبيتها واحترامها بالداخل السورى.. وللأسف لا يوجد من يحاسب قيادات المعارضة على هذا الخطأ أو غيره.