قصة سماح من كلية الحقوق إلى عنبر المجانين فى بنى سويف.. و «أصيلة » قضت 5 أعوام بين 4 جدران بالمستشفى الرابعة عصراً؛ وإذ يضج قسم الطوارئ بمستشفى «شبين الكوم » للصّحِة النفسي ةَّ بالصرخات كعادته، وفى عنبرٍ لا تتجاوز مساحته خمسة عشر متراً ويضم بين جنباته اثنتى عشرة فتاةً، نجد «أصيلة عثمان » صاحبة العشرين ربيعاً بينهم تكاد تختنق من أثر الانتهاكات النفسية التى تعرضت لها فى عامها الأول داخل العنبر المخصص لحالتها النفسية، وذلك بعد تسليمها من قبِلَ رجال الأمن لإدارة المستشفى. دموع متتاليةٌ لاتفارق المرضى من حولها، بينما ترى العاملينفى القسم جميعهم فى واد آخرٍ. صيحاتٌ متقطعة ضمنها )اخرجونى من هنا(. عَلِمتْ «أصيلة » أنّها تعانى من مرض «الفُصام البارانوى » فى سن الخامسة عشرة عندما حاولت قتل ابن شقيقها عن طريق دفعه من شرفة منزلهم بقرية «جروان » التَّابعة لمركز «الباجور » بمحافظة «المنوفيَّة .» وكما تروى لنا «أصيلة » فإنّه مع بداية عامها ال 15 تأكدت من مرضها النفسى، وبينما كانت مع أحد جيرانها داخل عيادة «الشوربجى » الخاصة للصِّحة النفسيَّة بالباجور فوجئت بمجموعةٍ من رجال الأمن والصِّحة النفسية بزيهم الأبيض يلقون القبض عليها دون أن تدرى السبب؛ إذ كانت «أصيلة » مطرودة من المنزل بسبب اعتدائها على أبناء شقيقها. تقول: «لم أكنْ أعلم ما يجرى؛ لكن علمت بعدها أننى داخل مستشفى مخصص للعلاج النفسى. خمسة أعوام كاملة قضتها «أصيلة » داخل المستشفى تتنقل كلّ شهر بين عنابرها وفقًا لحالتها الصحية، لتُعرَض نهاية كل شهر على طبيبٍ متخصصٍ فيأمر بإعطائها جرعة من «الكوربكسول »، تقول: «حينها أشعر بشللٍ مفاجئ يباغت أطرافى، قصورٌ فى التنفس ينتهى بإغماء » وتظل إلى هذه اللحظة حبيسة جدران أربعة بالمستشفى. داخل عنبر النساء بمستشفى «أسيوط » النفسى نجد «سماح »، والتى يبدو عمرها ثلاثين عامًا، تمتلك قصة محدودة التفاصيل، الأمر لم يمرّ سريعًا فقد توقفت تفاصيل حياتها منذ 11 فبراير 2017، ففى هذا اليوم انتقلت إلى هذا العنبر بعد أن تسلمها المستشفى من قسم شرطة «بندر أسيوط » والتى احتجزت داخله لمدة شهرين، تبدو تفاصيلها قليلة فهى لا تمتلك حتى إثباتًا لهويتها. تمتلك «سماح » هذا الاسم الذى اختارته المستشفى لتُنادى به. عينان متسعتا الحدقة، شديدتا السواد، وممتلئتان بالغضب والحزن، وتبدو أيضًا غير متزنة الجسد فهى تتحرك يمينًا ويسارًا، وتمتنع كثيرًا عن تناول العلاج. تذكرت «سماح » ملامح ضئيلة عن حياتها، لا يمكن الجزم إن كانت صادقة أو أنَّ الخلل لم يمكنها من التَّذكر. تقول إنّها كانت بالفرقة الثانية بكلية الحقوق؛ لكن توقفت عن الكلام وذهبت بعيدًا. إدارة المستشفى لا تعلم أى شىء عن هذه الفتاة التى أتمت العامين دون السؤال عنها، ولا أحد يعلم من أين أتت. فى هذا الركن المعزول من عنبر الرجال داخل مستشفى «بنى سويف » النفسى، يجلس شابٌ وسيمٌ صاحبُ وجه شاحبٍ ولحيةٍ ممتلئة، وعيون متجمدة لم تامة تُحرك منذ عامين دون ملاحظةِ أى تحسنٍ فى حالته، التى ظلت على ما هى عليه، عزلة «الهيروين » وأصدقاء السوء كانا وراء قيام «عادل أحمد 22 » عامًا، باللجوء إلى النزول إلى قسم الإدمان بعد أن قضى خمسة أشهر فى تعاطى «الهيروين » بعد أن طرده أبوه من المنزل نتيجة سرقته لمبلغٍ كبيرٍ كان والده قد ادخره لتجهيز أخته الكبرى وذهبت به أمه إلى مستشفى «العباسية »، وبعد احتجازه عَلِمَ الأب بما حدث فهدد زوجته بالطلاق إن ذهبت للسؤال عن ابنها فى المستشفى. وبعد مرور شهور عديدة لم يعد يسأل عنه أحد من أهله، لقد فقد أهله فى رحلة «الهيروين ».ليظل يكابد معاناة سحب مخدر الهيروين من جسمه يومًا بعد يوم، ويصاب بمرضٍ نفسى جديدٍ يجعله فى تمنى العزلة عن الحياة التى تجمعه بالناس. إحصائية: ووفقًا لآخر إحصائية صادرة عن المجلس القومى للصحة النفسية لعام 2017 فإنَّ ) 50202 ( مريضًا ومريضة بينهم ) 16677 ( من النساء زاروا العيادات النفسيَّة فى المستشفيات كافة ، منهم ) 4883 ( طفلً، و) 15702 ( مراهق، و) 40732 ( من البالغين، و) 1058 ( من المسنين. أمَّا عيادات الإدمان فزارها ) 8894 ( بينهم ) 244 ( سيدة فقط، و) 214 ( من المراهقين، فيما دخل الأقسام الداخليّة بالمستشفيات ) 1164 ( بينهم ) 255 ( سيدة ، واستقبلت الأقسام الداخليّة لعلاج الإدمان ) 368 ( بينهم ) 20 ( سيدة فقط.
وتبعًا للدكتورة «منى عبدالمقصود » رئيسة أمانة الصحة النّفسيَّة فإنَّ مستشفيات الصحة النفسية تعانى من عجز شديد فى الأطباء النفسيين والممرضين المتخصصين فى الصحة النفسية، وعلى الرغم من ذلك نستقبل أعدادًا كبيرة كل عامٍ من الرجال خصوصًا فى مراكز علاج الإدمان التابعة للمستشفيات، فى مقابل أعداد ضئيلةٍ جدًا من النساء. وتتابع قائلة : لدينا مجلس قومى خاص بالصحة النفسية تابع لإشراف وزارة الصحة؛ يهدف توفير الدعم الفنى الكامل فيما يخص حقوق المريض فى المستشفيات، مع العلم أن الأمانة العامة للصحة النفسية تعمل على توفير المناخ الصحى والأمن للمرضى.